المستحيلة عليه تعالى ؛ فإن الأنبياء عليهمالسلام وان لم يقع منهم القبائح فقد يقع من غيرهم ويحتاج من وقع ذلك منه إلى التوبة والاستغفار والاستقالة وهذا بين بحمد الله ومنه (١)].
فأمّا قوله تعالى : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) فإن التجلّي هاهنا التعريف والإعلام والإظهار لما تقتضى المعرفة ، كقولهم : هذا كلام جليّ أي واضح ، وكقول الشاعر :
تجلّى لنا بالمشرفيّة والقنا |
|
وقد كان عن وقع الأسنّة نائيا |
أراد أنّ تدبيره دلّ عليه حتى علم أنّه المدبّر له وإن كان نائيا عن وقع الأسنة ، فأقام ما ظهر من دلالة فعله على مقام مشاهدته ، وعبّر عنه بأنّه تجلّى منه.
وفي قوله : (لِلْجَبَلِ) وجهان :
أحدهما : أن يكون المراد لأهل الجبل ، ومن كان عند الجبل ، فحذف ؛ كما قال تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٢) ؛ (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) (٣).
وقد علمنا أنّه بما أظهره من الآيات إنّما دلّ من كان عند الجبل على أنّ رؤيته تعالى غير جائزة.
والوجه الآخر : أن يكون المعنى (لِلْجَبَلِ) أي بالجبل ، فأقام اللام مقام الباء ؛ كما قال تعالى : (آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) (٤) ؛ أي به ؛ وكما يقولون : أخذتك لجرمك أي بجرمك.
ولمّا كانت الآية الدالّة على منع ما سئل فيه إنّما حلّت الجبل وظهرت فيه جاز أن يضاف التجلّي إليه.
وقد استدلّ بهذه الآية كثير من العلماء الموحّدين على أنّه تعالى لا يرى
__________________
(١) ما بين المعقوفتين من تنزيه الأنبياء والأئمّة : ١١٥.
(٢) سورة يوسف ، الآية : ٨٢.
(٣) سورة الدخان ، الآية : ٢٩.
(٤) سورة الأعراف ، الآية : ١٢٣.