إذا وقعوا (١) إلى كلام في الإمامة وما يتّصل بها نسوا كلّ ذلك وأعرضوا عنه ، وقدحوا فيها (٢) بما يقدح في أصولهم ، ويعترض على مذاهبهم ، وليس يزيّن هذا إلّا الهوى ، وقوّة العصبيّة.
فأمّا قوله : «على أن ما خرج من أن يكون سبيلا للمؤمنين إذا حرم اتباعه ، فإنّما وجب ذلك فيه لكونه «غيرا» لسبيلهم على ما يقتضيه اللفظ ، وكونه «غيرا» لسبيلهم بمنزلة كونه تركا لسبيلهم ، وخارجا عن سبيلهم. فلا بدّ من أن يدلّ على أنّ اتباع سبيلهم هو الواجب ليخرج به من أن يكون متّبعا غير سبيلهم وهذا كقول أحدنا لغيره : لا تتبع خلاف طريقة الصّالحين ، وغير سبيلهم ، في أنّه بعث (٣) له على اتّباع سبيل الصالحين ، وأن لا يخرج عن ذلك» (٤) فلم يزد فيه على الدعوى ، ولو سلّمنا له ما ادّعاه من التعليل لم يجب أن يكون اتباع غير سبيلهم بمنزلة الخروج عن سبيلهم ؛ لأنّ اتباع غير سبيلهم لا بدّ أن يكون اتّباعا لسبيل ما ليس سبيلا لهم ، والخروج عن اتّباع سبيلهم ليس كذلك ؛ لأنّه قد يخرج عن اتّباع سبيلهم وغير سبيلهم بأن لا يكون متّبعا لسبيل أحد ؛ لأنّ الاتباع الذي أريد هاهنا أن يفعل الفعل لأجل فعل المتّبع على جهة التأسي به ، وقد يجوز أن يحظر الله تعالى على المكلف اتباع سبيل المؤمنين وغير المؤمنين على هذا الوجه.
فإذا؟ صحّ ما ذكرناه فسد قوله «فلا بدّ من أن يدل على انّ اتباع سبيلهم هو الواجب ، ليخرج عن أن يكون متّبعا غير سبيلهم» ، فأمّا قول أحدنا لغيره : «لا تتّبع خلاف طريقة الصالحين» فالقول فيه كالقول فيما تقدّم ، وظاهر اللفظ وإطلاقه لا يدلّ على وجوب اتّباع طريقة الصالحين ، وإنّما يعقل بالدلالة ؛ ولأنّ المخاطب بهذا القول إذا كان حكيما علم من حاله أنّه لا بدّ أن يوجب اتّباع طريقة الصالحين ، ويحثّ عليها ، وما يعلم إلّا من حيث ظاهر اللفظ خارج عمّا نحن فيه ، ولو أنّ أحدا قال بدلا من ذكر الصالحين : لا تتبع خلاف طريقة زيد ،
__________________
(١) في نسخة : إذا دفعوا.
(٢) الضمير الأول للكلام والثاني للإمامة.
(٣) أي حثّ.
(٤) المغني ١٧ : ١٦٢.