لم يجب أن يفهم من إطلاق لفظه إيجاب اتباع طريقته ، ولو لا أن الأمر فيما تقدّم على ما قلناه دون ما ادّعاه صاحب الكتاب من أنّ غير سبيل المؤمنين بمنزلة الخروج عنها ، لوجب فيمن قال لغيره : لا تضرب غير زيد ، ثم قال : ولا زيدا ، أن يكون مناقضا في كلامه من حيث كان قوله : لا تضرب غير زيد إيجابا لضربه ، وقوله : ولا زيدا حظرا لذلك وفي العلم بصحّة هذا القول من مستعمله ، وأنه غير جار مجرى قوله : «اضرب زيدا ولا تضربه» دلالة على استقامة تأويلنا للآية.
فأمّا قوله في الاستدلال على أنّ في جملة الأمّة مؤمنين في كلّ عصر : «أن نفس الظاهر يقتضي إثبات مؤمنين يصحّ أن يتبع سبيلهم ، لأنّه لا يصحّ أن يتوعّد الله تعالى توعّدا مطلقا على العدول عن اتّباع سبيل المؤمنين إلّا وذلك يمكن في كلّ حال ولا يصح دخوله في أن يكون ممكنا إلّا بأن يثبت في كلّ عصر جماعة من المؤمنين ، [وفي هذا اسقاط السؤال (١)] يبيّن ذلك أنه كما توعّد على العدول عن اتباع سبيلهم فكذلك توعّد على مشاقة (٢) الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإذا وجب في كلّ حال صحّة المشاقة ليصحّ الوعيد المذكور ، فكذلك يجب أن يصحّ في كلّ حال اتّباع سبيلهم ، والعدول عنها» (٣) فليس يجب من حيث توعّد الله تعالى توعّدا مطلقا على العدول عن اتّباع سبيل المؤمنين ثبوت مؤمن (٤) في كلّ عصر ، وإنّما تقتضي الآية التحذير من العدول عن اتباعهم إذا وجدوا ، ويمكن من اتّباعهم وتركه.
ولسنا نعلم من أيّ وجه ظنّ أن التوعّد على الفعل يقتضي إمكانه في كلّ حال!
وليس هذا مما تدخل فيه عندنا شبهة على متكلّم ، ونحن نعلم أنّ البشارة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم قد تقدّمت على لسان من سلفت نبوّته كموسى وعيسى عليهماالسلام وغيرهما ، وقد أمر الله تعالى اممهم باتّباعه وتصديقه ، وأشار لهم إليه بصفاته
__________________
(١) ما بين المعقوفتين من المغني.
(٢) المشاقة : الخلاف.
(٣) المغني ١٧ : ١٦٧ و ١٦٨.
(٤) المؤمنين ، خ ل.