وعلاماته ، وتوعّدهم على مخالفته وتكذيبه ، ولم يلزم أن يكون ما توعّد عليه من مخالفته ، وأوجبه من تصديقه واتّباعه ممكنا من كلّ وقت ولا مانعا من إطلاق الوعيد ، فقد قال شيخ أصحابه أبو هاشم وتبعه على هذه المقالة جميع أصحابه : إنّ قوله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ) الآية (١) ... «لا يقتضي ثبوت من يستحقّ القطع على سبيل النكال ، ولا يفتقر إليه وإنّما يوجب أنّ من واقع السرقة المخصوصة على الوجه المخصوص يستحقّ القطع على سبيل التنكيل ، ولو لم يقع التمكّن (٢) أبد الدهر من الوقوف على من هذه حاله لما أخلّ بفائدة الآية ، وعوّل في قطع من يقطع من السّراق المشهود عليهم أو المقرّين (٣) على الاجماع ، وإذا صحّ هذا فكيف يجب من حيث أطلق الوعيد على العدول عن اتّباع سبيل المؤمنين وجود مؤمنين في كلّ عصر؟ وما المانع من أن يكون الوعيد تعلّق بحال مقدرة كأنه قال تعالى : لا تتبعوا غير سبيل المؤمنين إذا حصلوا أو وجدوا؟ وفساد ما تعلّق به أظهر من أن يخفى.
فأمّا قوله : «والوجه الثاني : أنّ الآية دالّة على وجوب اتّباع سبيل المؤمنين ، ونعلم أنّ في كلّ حال مؤمنين بدليل آخر ، وهو ما ثبت بالقرآن وغيره أنّ في كلّ حال طائفة من أمّة النبيّ ظاهرين على الحقّ (٤) ، وان في كلّ عصر شهداء يشهدون على الحقّ» (٥) فما نراه أحال إلّا على غيب ؛ لأنّه ادّعى أنّ القرآن وغيره دالّ على أنّ في كلّ عصر مؤمنين وشهداء ، وما نعلم في القرآن شيئا يدلّ على ذلك ، ولا في غيره ، ولو تعلّق فيما ادّعاه بشيء لبيّنا فساده ، ولكنّه اقتصر على محض الدعوى.
وليس فيما تعلّق به من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) إلى قوله : (وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) (٦) وقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ٣٨.
(٢) في نسخة : «التمكين».
(٣) أي المقرّين على أنفسهم بالسرقة.
(٤) يشير إلى الحديث «لا تزل طائفة من أمّتي ظاهرين على الحق».
(٥) المغني ١٧ : ١٦٨ وفيه «يشهدون بالحق».
(٦) سورة الحج ، الآيتان : ٧٧ ، ٧٨.