الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) هو ما يحصلون فيه من الثواب. ثم بيّن تعالى عظيم قدرته واتساع مملكته فقال : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَ) نزّه تعالى نفسه عما قالت النصارى أن معه إلها فقال : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) دون كل من سواه لقدرته عليه وحده (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فهو يقدر على المعدومات بأن يوجدها ، وعلى الموجودات بأن يعدمها ، وعلى كثير منها بأن يعيدها بعد الإفناء ، وعلى مقدورات غيره بأن يقدر عليها ويمنع منها.
سورة الأنعام مكية
عدد آياتها مائة وخمس وستون آية
١ ـ ٢ ـ بدأ الله تعالى هذه السورة بالحمد لنفسه إعلاما بأنه المستحق لجميع المحامد لأن أصول النعم وفروعها منه تعالى ، ولأن له الصفات العلى فقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) يعني اخترعهما بما اشتملا عليه من عجائب الصنعة ، وبدائع الحكمة (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) يعني الليل والنهار ثم عجب سبحانه ممن جعل له شريكا مع ما يرى من الآيات الدالة على وحدانيته فقال : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي جحدوا الحق (بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) أي يسوون به غيره بأن جعلوا له أندادا وقيل : معنى يعدلون : يشركون به غيره ، والوجه في التعجيب أن هؤلاء الكفار مع اعترافهم بأن اصول النعم منه ، وأنه هو الخالق والرازق عبدوا غيره ، ونقضوا ما اعترفوا به ، وأيضا فإنهم عبدوا ما لا ينفع ولا يضرّ من الحجارة والموات (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) يعني به آدم والمعنى : أنشأ أباكم واخترعه من طين وأنتم من ذريته (ثُمَّ قَضى أَجَلاً) أي كتب وقدّر أجلا (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) يعني بالأجلين أجل الحياة إلى الموت ، وأجل الموت إلى البعث وقيام الساعة وعن ابن عباس قال قضى أجلا من مولده إلى مماته ، وأجل مسمى عنده من الممات إلى البعث لا يعلم ميقاته أحد سواه ، فإذا كان الرجل صالحا واصلا لرحمه زاد الله له في أجل الحياة ، ونقص من أجل الممات إلى المبعث ، وإذا كان غير صالح ولا واصل نقصه الله من أجل الحياة وزاد في أجل المبعث ، قال : وذلك قوله : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) ولا ينقص من عمره إلّا في كتاب (ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) خطاب للكفار الذين شكّوا في البعث والنشور واحتجاج عليهم بأنّه سبحانه خلقهم ونقلهم من حال إلى حال ، وقضى عليهم الموت وهم يشاهدون ذلك ، ويقرّون بأنه لا محيص منه ، ثم بعد هذا يشكون ويكذّبون بالبعث ، ومن قدر على ابتداء الخلق فلا ينبغي أن يشك في أنه يصح منه إعادتهم وبعثهم.
٣ ـ ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) معناه : الله يعلم في السماوات وفي الأرض سرّكم وجهركم ، ويكون الخطاب لجميع الخلق لأن الخلق إما أن يكونوا ملائكة فهم في السماء أو بشرا أو جنّا فهم في الأرض ، فهو سبحانه عالم بجميع أسرارهم وأحوالهم ومتصرفاتهم ، ولا يخفى عليه منها شيء ، ويقويه قوله : (وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) : أي يعلم جميع ما تعملونه من الخير والشر فيجازيكم على حسب أعمالكم (وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) والمعنى : يعلم نياتكم وأحوالكم وأعمالكم ، وفي قوله : (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) دلالة على أنه عالم لنفسه ، لأن من كان عالما بعلم لا يصح ذلك منه.
٤ ـ ٥ ـ ثمّ أخبر سبحانه عن الكفار المذكورين في أول الآية فقال : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ) أي لا تأتيهم حجة (مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ) أي من حججه وبيناته : كانشقاق القمر ، وآيات القرآن ، وغير ذلك من المعجزات (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) لا يقبلونها ، ولا يستدلون بها على ما دلهم الله عليه من توحيده ، وصدق رسوله (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) أي