القيامة يجازي كل عامل منكم بعمله (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) معناه : خلقهما للحق لا للباطل كما قال : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) (وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ) أي واتقوا يوم يقول كن فيكون وقيل : إن قوله : (كُنْ فَيَكُونُ) فيه إضمار جميع ما يخلق في ذلك الوقت ، وهذا إنما ذكر ليدل على سرعة أمر يخلق في ذلك الوقت ، وهذا إنما ذكر ليدل على سرعة أمر البعث والساعة فكأنه يقول : ويوم يقول للخلق موتوا يموتون ، وانتشروا فينتشرون ، أي لا يتعذر عليه ذلك ولا يتأخر عن وقت إرادته (قَوْلُهُ الْحَقُ) أي يأمر فيقع أمره ، أي ما وعدوا به من الثواب ، وحذروا به من العقاب (وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) إن الملك قد وجب له في ذلك اليوم الذي فيه ينفخ في الصور ، فقد خص ذلك اليوم بأن الملك له فيه كما خصه في قوله : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) ، والوجه فيه : أنه لا يبقى ملك من ملّكه الله في الدنيا ، أو تغلّب عليه ، بل يتفرد سبحانه بالملك. وأما الصور فقيل فيه : إنه قرن ينفخ فيه إسرافيل عليهالسلام نفختين ، فتفنى الخلائق كلهم بالنفخة الأولى ، ويحيون بالنفخة الثانية ، فتكون النفخة الأولى لانتهاء الدنيا ، والثانية لابتداء الآخرة. (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) يعلم ما لا يشاهده الخلق وما يشاهدونه (وَهُوَ الْحَكِيمُ) في أفعاله (الْخَبِيرُ) العالم بعباده وأفعالهم.
٧٤ ـ ٧٥ ـ (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) أي واذكر إذ قال (لِأَبِيهِ آزَرَ) فيه أقوال (احدها) أنه اسم أبي إبراهيم (وثانيها) أن اسم أبي إبراهيم تارخ ، قال الزجاج : ليس بين النسابين اختلاف أن اسم أبي إبراهيم تارخ وهذا الذي قاله الزجاج يقوي ما قاله أصحابنا : ان آزر كان جد إبراهيم لأمه حيث صح عندهم أن آباء النبي إلى آدم كلهم كانوا موحدين وأجمعت الطائفة على ذلك ، وروي عن النبي (ص) أنه قال : لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات حتى أخرجني في عالمكم هذا ، ولم يدنسني بدنس الجاهلية ، ولو كان في آبائه كافرين ، لم يصف جميعهم بالطهارة ، ومع قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً) استفهام المراد به الإنكار ، أي لا تفعل ذلك (إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ) عن الصواب (مُبِينٍ) ظاهر (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ) أي مثل ما وصفناه من قصة إبراهيم ، وقوله لأبيه ما قال ، نريه (مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعني كشط الله له عن الأرضين حتى رآهن وما تحتهن ، وعن السماوات حتى رآهن وما بهن من الملائكة ، وحملة العرش (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) أي من المتيقنين بأن الله سبحانه هو خالق ذلك والمالك له.
٧٦ ـ ٧٩ ـ لما تقدّم ذكر الآيات التي أراها الله تعالى إبراهيم (ع) بيّن سبحانه كيف استدلّ بها ، وكيف عرف الحق من جهتها فقال : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) أي أظلم عليه ، وستر بظلامه كل ضياء (رَأى كَوْكَباً) واختلف في الكوكب الذي رآه فقيل : هو الزهرة ، وقيل : هو المشتري (قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ) أي غرب (قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) علم أن الأفول لا يجوز على الإله ، فاستدلّ بذلك على أنه محدث مخلوق ، وكذلك كانت حاله في رؤية القمر والشمس فإنه لما رأى أفولهما قطع على حدوثهما واستحالة إلهيتهما (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً) عند طلوعه ورأى كبره وإشراقه ، وانبساط نوره وضياءه في الدنيا (قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ) وصار مثل الكوكب في الأفول والغيبوبة ، وعلم أنه لا يجوز أن يكون ذلك صفة الإله (قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي) إلى رشدي ، ولم يوفقني ويلطف بي في إصابة الحق من توحيده (لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) بعبادة هذه الحوادث (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً) أي طالعة ، وقد ملأت الدنيا نورا ، ورأى عظمها وكبرها (قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ) من الكوكب والقمر (فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ) حينئذ لقومه (يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) مع الله الذي