واختلف فيه فقيل : إنه إدريس كما قيل ليعقوب : إسرائيل (كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي من الأنبياء والمرسلين (وَإِسْماعِيلَ) وهو ابن إبراهيم (وَالْيَسَعَ) بن اخطوب (وَيُونُسَ) بن متى (وَلُوطاً) بن هاران بن أخي إبراهيم (وَكلًّا) أي وكل واحد منهم (فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ) أي عالمي زمانه وإذا جعل الله سبحانه عيسى من ذرية إبراهيم (ع) أو نوح ففي ذلك دلالة واضحة ، وحجة قاطعة على أن أولاد الحسن والحسين (ع) ذرية رسول الله (ص) على الإطلاق ، وأنهما ابنا رسول الله (ص) وقد صح في الحديث أنه قال لهما عليهماالسلام : ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا (وَمِنْ آبائِهِمْ) يعني ومن آباء هؤلاء الأنبياء (وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ) جماعة فضلناهم (وَاجْتَبَيْناهُمْ) أي اصطفيناهم واخترناهم للرسالة (وَهَدَيْناهُمْ) أي سددناهم وأرشدناهم فاهتدوا (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي طريق بيّن لا اعوجاج فيه ، وهو الدين الحق.
٨٨ ـ ٩٠ ـ ثمّ بيّن سبحانه إكرامه لأنبيائه (ع) ، ثم أمر من بعد بالإقتداء بهم فقال : (ذلِكَ) وهو إشارة إلى ما تقدم ذكره من التفضيل والإجتباء والهداية والإصطفاء (هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) ممّن لم يسمهم في هذه الآيات ، والهداية هنا : هي الإرشاد إلى الثواب دون الهداية التي هي نصب الأدلة ، ألا ترى إلى قوله : (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ، وذلك لا يليق إلّا بالثواب الذي يختصّ المحسنين ، دون الدلالة التي يشترك بها المؤمن والكافر وقوله (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) يدل أيضا على ذلك ومعناه : أنهم لو أشركوا لبطلت أعمالهم التي كانوا يقعونها على خلاف الوجه الذي يستحق به الثواب لتوجيهها إلى غير الله تعالى (أُولئِكَ) يعني به من تقدّم ذكرهم من الأنبياء (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ) أي أعطيناهم (الْكِتابَ) أراد الكتب ووحّد لأنه عنى به الجنس (وَالْحُكْمَ) معناه : والحكم بين الناس وقيل : الحكمة (وَالنُّبُوَّةَ) أي الرسالة (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها) أي بالكتاب والحكم وبالنبوة (هؤُلاءِ) يعني الكفار الذين جحدوا نبوة النبي (ص) في ذلك الوقت (فَقَدْ وَكَّلْنا بِها) أي بمراعاة أمر النبوة وتعظيمها ، والأخذ بهدي الأنبياء (قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) عني بها من آمن من أصحاب النبي (ص) في وقت مبعثه وإنما قال : (وَكَّلْنا بِها) ولم يقل : فقد قام بها قوم ، تشريفا لهم بالإضافة إلى نفسه ، وفي هذا ضمان من الله تعالى أن ينصر نبيّه (ص) ، ويحفظ دينه (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ) أي هداهم الله إلى الصبر (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) معناه : اقتد بهم في الصبر على أذى قومك ، واصبر كما صبروا ، وقيل معناه : أولئك الذين قبلوا هدى الله واهتدوا بلطف الله الذي فعل بهم فاقتد بطريقتهم في تبليغ الرسالة (قُلْ) يا محمد (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) أي لا أطلب منكم على تبليغ الوحي وأداء الرسالة جعلا كما لم يسأل ذلك الأنبياء قبلي ، فإن أخذ الأجر عليه ينفر الناس عن القبول (إِنْ هُوَ) أي ما هو (إِلَّا ذِكْرى) أي تذكيرا (لِلْعالَمِينَ) بما يلزمهم إتيانه واجتنابه ، وفي هذه الآية دلالة على أنه لا يخلو كل زمان من حافظ للدين إما نبيّ أو إمام لقوله : (فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً) ، وأسند التوكيل إلى نفسه. وتدل الآية على أن نبيّنا مبعوث إلى كافة العالمين ، وانّ النبوة مختومة به ، ولذلك قال : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ).
٩١ ـ لمّا تقدّم ذكر الأنبياء والنبوة ، عقبه سبحانه بالتهجين لمن أنكر النبوة فقال : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أي ما عرفوا الله حقّ معرفته ، وما عظّموه حقّ عظمته ، وما وصفوه بما هو أهل أن يوصف به (إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) أي ما أرسل الله رسولا ، ولم ينزل على بشر شيئا مع ان