(فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً) أي طافيا عاليا فوق الماء. شبّه سبحانه الحق والإسلام بالماء الصافي النافع للخلق ، والباطل بالزبد الذاهب باطلا (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ) وهو الذهب والفضة والرصاص وغيره مما يذاب (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) أي طلب زينة يتخذ منه كالذهب والفضة (أَوْ مَتاعٍ) معناه : أو ابتغاء متاع ينتفع به وهو مثل جواهر الأرض يتخذ منها الأواني وغيرها (زَبَدٌ مِثْلُهُ) أي مثل زبد الماء ، فإن هذه الأشياء التي نستخرج من المعادن ، وتوقد عليها النار ليتميز الخالص من الخبيث ، لها أيضا زبد وهو خبثها (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) أي مثل الحق والباطل ، وضرب المثل : تسييره في البلاد حتى يتمثل به في الناس (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً) أي باطلا متفرقا بحيث لا ينتفع به (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ) وهو الماء الصافي ، والأعيان التي ينتفع بها (فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) فينتفع به الناس ، فمثل المؤمن واعتقاده كمثل هذا الماء المنتفع به في نبات الأرض ، وحياة كل شيء به ، وكمثل نفع الذهب والفضة وسائر الأعيان المنتفع بها ، ومثل الكافر وكفره كمثل هذا الزبد الذي يذهب جفاء ، وكمثل خبث الحديد وما تخرجه النار : من وسخ الذهب والفضة الذي لا ينتفع به (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) للناس في أمر دينهم (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) معناه : للذين استجابوا دعوة الله ، وآمنوا به وأطاعوه الحسنى وهي الجنة (وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ) أي لله فلم يؤمنوا به (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) أي جعلوا ذلك فدية أنفسهم من العذاب لم يقبل ذلك منهم (أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ) ان سوء الحساب أخذهم بذنوبهم كلها من دون أن يغفر لهم شيء منها (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) أي وبئس ما مهّدوا لأنفسهم والمهاد : الفراش الذي يوطأ لصاحبه ، وتسمى النار مهادا لأنها موضع المهاد لهم.
١٩ ـ ٢٤ ـ ثم بيّن سبحانه الفرق بين المؤمن والكافر فقال : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) يا محمد (مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى) عنه ، أخرج الكلام مخرج الإستفهام والمراد به الإنكار ، أي لا يكونان مستويين فإن الفرق بينهما هو الفرق بين الأعمى والبصير ، لأن المؤمن يبصر ما فيه رشده فيتبعه ، والكافر يتعامى عن الحق فيتبع ما فيه هلاكه (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) أي إنما يتفكر فيه ويستدل به ذوو العقول والمعرفة (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) أي يؤدون ما عهد الله إليهم ، وألزمهم إياه عقلا وسمعا (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) المراد به الإيمان بجميع الرسل والكتب كما في قوله : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) وقيل : هو صلة محمد وموازرته ومعاونته والجهاد معه عن الحسن وقيل : هو صلة الرحم عن ابن عباس ، وروى أصحابنا أن أبا عبد الله (ع) لما حضرته الوفاة قال : اعطوا الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين ـ وهو الأفطس ـ سبعين دينارا فقالت له أم ولد له : أتعطى رجلا حمل عليك بالشفرة؟ فقال لها : ويحك أما تقرئين قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) الآية وقيل : هو ما يلزم من صلة المؤمنين بأن يتوالوهم وينصروهم ويذبّوا عنهم ، ويدخل فيه صلة الرحم وغير ذلك عن الجبائي وأبي مسلم ، وروى محمد بن الفضيل عن موسى بن جعفر الكاظم (ع) في هذه الآية قال : صلة آل محمد (ص) معلقة بالعرش تقول : اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني ، وهي تجري في كل رحم ، وروى الوليد بن أبان عن أبي الحسن الرضا (ع) قال : قلت له : هل على الرجل في ماله سوى الزكاة؟ قال : نعم أين ما قال الله (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ) الآية (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أي ويخافون عقاب ربهم في قطعها (وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سوء الحساب : أن يحسب عليهم السيئات ولا يحسب لهم الحسنات ، وهو الإستقصاء (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) أي الذين صبروا على القيام بما أوجبه الله عليهم ، وعلى بلاء الله من الأمراض والعقوبة وغير ذلك ، وعن معاصي الله سبحانه لطلب ثواب الله تعالى (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أي