كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ) وهي قرية سدوم على ما روي ، والخبائث التي كانوا يعملونها هي أنهم كانوا يأتون الذكران في أدبارهم ويتضارطون في أنديتهم وقيل : هي ما حكى الله تعالى : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) ، وغير ذلك من القبائح ، وأراد بالقرية أهلها. ثم ذمّهم فقال : (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ) أي خارجين عن طاعة الله تعالى (وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا) أي في نعمتنا ومنّتنا (إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي بسبب أنه من الصالحين الذين أصلحوا أفعالهم فعملوا بما هو الحسن منها دون القبيح ، وقيل : أراد بكونه من الصالحين انه من الأنبياء.
٧٦ ـ ٨٠ ـ ثم عطف سبحانه قصة نوح وداود على قصة إبراهيم عليهالسلام ولوط فقال (وَنُوحاً إِذْ نادى) أي دعا ربّه فقال ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ، وقال : إني مغلوب فانتصر وغير ذلك (مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل إبراهيم ولوط (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) أي : أجبناه إلى ما التمسه (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) أي : من الغم الذي يصل حرّه إلى القلب وهو ما كان يلقاه من الأذى طول تلك المدة ، وتحمل الإستخفاف من السقاط من أعظم الكرب (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي منعناه منهم بالنصرة حتى لم يصلوا إليه بسوء (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) صغارهم وكبارهم ، وذكورهم وإناثهم (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ) أي وآتينا داود وسليمان حكما وعلما إذ يحكمان (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) أي بحكمهم عالمين ، لم يغب عنّا منه شيء. والحكم الذي حكما به زرع وقعت فيه الغنم ليلا فأكلته ، وكان كرما وقد بدت عناقيده ، فحكم داود بالغنم لصاحب الكرم فقال سليمان : غير هذا يا نبيّ الله قال : وما ذاك؟ قال يدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان ، ويدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها حتى إذا عاد الكرم كما كان ثم دفع كل واحد منهما إلى صاحبه ماله (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) أي علّمناه الحكومة في ذلك ، ان سليمان قضى بذلك وهو ابن إحدى عشرة سنة ، وروي عن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنه قضى بحفظ المواشي على أربابها ليلا ، وقضى بحفظ الحرث على أربابه نهارا (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) أي وكل واحد من داود وسليمان أعطيناه حكمة ، ومعناه : النبوة وعلم الدين والشرع (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ) قيل معناه : سيّرنا الجبال مع داود حيث سار ، فعبّر عن ذلك بالتسبيح لما فيه من الآية العظيمة التي تدعو إلى تسبيح الله وتعظيمه وتنزيهه عن كل ما لا يليق به ، وكذلك تسخير الطير له تسبيح يدل على أن مسخرها قادر لا يجوز عليه مما يجوز على العباد عن الجبائي وعلي بن عيسى. وقيل : ان الجبال كانت تجاوبه بالتسبيح وكذلك الطير يسبح معه بالغداة والعشي ، معجزة له عن وهب (وَكُنَّا فاعِلِينَ) أي قادرين على فعل هذه الأشياء ، ففعلناها دلالة على نبوته (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ) أي علّمناه كيف يصنع الدرع ، قال قتادة أول من صنع الدرع داود عليهالسلام وإنما كانت صفائح جعل الله سبحانه الحديد في يده كالعجين ، فهو أول من سردها وحلقها فجمعت الخفة والتحصين وهو قوله : (لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) أي ليحرزكم ويمنعكم من وقع السلاح فيكم (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) لنعم الله تعالى عليكم.
٨١ ـ ٨٦ ـ ثم عطف سبحانه بقصة سليمان على ما تقدّم فقال : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) أي وسخّرنا لسليمان الريح (عاصِفَةً) أي شديدة الهبوب. قال ابن عباس : إذا أراد ان تعصف الريح عصفت ، وإذا أراد أن ترخي أرخيت ، وذلك قوله : رخاء حيث أصاب (تَجْرِي بِأَمْرِهِ) أي بأمر سليمان