تَذَرْنِي فَرْداً) بغير وارث ولا ولد يعينني على أمر الدين والدنيا في حياتي ، ويرثني بعد وفاتي (وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) هذا ثناء على الله سبحانه بأنه الباقي بعد فناء خلقه ، وأنه خير من بقي حيّا بعد ميت ، وأن الخلق كلهم يموتون ويبقى هو سبحانه (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى) روى الحرث بن المغيرة قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إني من أهل بيت قد انقرضوا وليس لي ولد فقال : ادع وأنت ساجد : (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ ،) (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ). قال : ففعلت فولد لي علي والحسين (وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) بأن كانت عقيمة فجعلناها ولودا ، عن قتادة وقيل : كانت هرمة فرددنا عليها شبابها ، عن أبي مسلم وقيل : كانت سيئة الخلق فجعلناها حسنة الخلق (إِنَّهُمْ) يعني زكريا ويحيى ، وقيل معناه : ان الأنبياء الذين تقدّم ذكرهم (كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) أي يبادرون إلى الطاعات والعبادات (وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً) أي للرغبة والرهبة ، رغبة في الثواب ، ورهبة من العقاب وقيل : راغبين وراهبين عن الضحاك وقيل : رغبا ببطون الأكف ورهبا بظهور الأكف (وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) أي متواضعين عن ابن عباس ، وقيل : الخشوع المخافة الثابتة في القلب عن الحسن.
٩١ ـ ٩٥ ـ ثم عطف سبحانه على ما تقدّم بقصة عيسى عليهالسلام فقال : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) يعني مريم ابنة عمران أي : واذكر مريم التي حفظت فرجها وحصنته وعفت وامتنعت من الفساد (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) أي أجرينا فيها روح المسيح كما يجري الهواء بالنفخ ، فأضاف الروح إلى نفسه على وجه الملك تشريفا له في الإختصاص بالذكر (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) الآية فيها أنها جاءت به من غير فحل ، فتكلم في المهد بما يوجب براءة ساحتها من العيب (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) أي هذا دينكم دين واحد (وَأَنَا رَبُّكُمْ) الذي خلقكم (فَاعْبُدُونِ) ولا تشركوا بي شيئا. ثم ذكر اليهود والنصارى بالإختلاف فقال (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) أي فرّقوا دينهم فيما بينهم يلعن بعضهم بعضا ، ويتبرأ بعضهم من بعض. ثم قال مهددا لهم (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) أي كل ممن اجتمع وافترق راجع إلى حكمنا في الوقت الذي لا يقدر على الحكم سوانا فنجازيهم بأعمالهم (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) مثل صلة الرحم ، ومعونة الضعيف ، ونصر المظلوم ، والتنفيس عن المكروب ، وغير ذلك من أنواع الطاعات (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) شرط الإيمان لأن هذه الأشياء لو فعلها الكافر لم ينتفع بها عند الله تعالى (فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) أي فلا جحود لإحسانه في عمله ، بل يشكر ويثاب عليه (وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ) أي نأمر ملائكتنا أن يكتبوا ذلك ويثبتوه فلا يضيع منه شيء (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) المراد : ان الله تعالى كتب على من أهلك أن لا يرجع إلى الدنيا قضاء منه حتما ، وفي ذلك تخويف لكفار مكة بأنهم إن أهلكوا لم يرجعوا إلى الدنيا كغيرهم من الأمم المهلكة.
٩٦ ـ ١٠٣ ـ لمّا تقدّم أنهم لا يرجعون إلى الدنيا وعدهم بالرجوع إلى الآخرة وبيّن علامة ذلك فقال : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) أي فتحت جهتهم والمعنى : انفرج سدّ يأجوج ومأجوج بسقوط أو هدم أو كسر وذلك من أشراط الساعة (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) يريد يأجوج ومأجوج من كل نشز من الأرض يسرعون ، يعني أنهم يتفرقون في الأرض فلا ترى أكمة إلا وقوم منهم يهبطون منها مسرعين (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ) الصدق ومعناه : اقترب قيام الساعة (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) معناه أن أبصار الذين كفروا تشخص في ذلك اليوم ، أي لا تكاد تطرف من شدّة ذلك اليوم وهو له ينظرون إلى تلك الأهوال (يا وَيْلَنا) أي يقولون يا ويلنا (قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) اشتغلنا بأمور الدنيا