عندهم وقيل : إن المراد به يوما أو بعض يوم من أيام الآخرة قال ابن عباس : أنساهم الله قدر لبثهم فيرون أنهم لم يلبثوا إلا يوما أو بعض يوم لعظم ما هم بصدده من العذاب (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) يعني الملائكة لأنهم يحصون أعمال العباد ، عن مجاهد ، وقيل : يعني الحسّاب لأنه يعدّون الشهور والسنين ، عن قتادة (قالَ) الله تعالى (إِنْ لَبِثْتُمْ) أي مكثتم (إِلَّا قَلِيلاً) لأن مكثهم في الدنيا وإن طال فإنه متناه قليل بالإضافة إلى طول مكثهم في عذاب جهنّم (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) معناه : لو كنتم تعلمون قصر أعماركم في الدنيا ، وطول مكثكم في الآخرة في العذاب ، لما اشتغلتم بالكفر والمعاصي ، وآثرتم الفاني على الباقي. ثم قال سبحانه لهم (أَفَحَسِبْتُمْ) معاشر الجاحدين للبعث والنشور ، الظانين دوام الدنيا (أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) أي لعبا وباطلا لا لغرض وحكمة ، والمعنى : أفظننتم انا خلقناكم لتفعلوا ما تريدون ثم انكم لا تحشرن ولا تسألون عما كنتم تعملون؟ هذا عبث ، فإن من خلق الأشياء لا لينتفع به نفسه أو غيره كان عابثا ، والله سبحانه غني لا يلحقه منفعة ، فلابد أن يكون خلق الخلق لينفعهم ويعرضهم للثواب بأن يتعبدهم ، وإذا تعبدهم فلابدّ من الفرق بين المطيع والعاصي وذلك إنما يكون بعد البعث (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) أي وحسبتم أنكم لا ترجعون إلى حكمنا ، والموضع الذي لا يملك الحكم فيه غيرنا (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُ) أي تعالى عمّا يصفه به الجهّال من الشريك والولد ، وقيل معناه : تعالى الله من أن يفعل شيئا عبثا ، والملك الحق : الذي له الملك بأنه ملك غير مملوك ، وكل ملك غيره فملكه مستعار ، ولأنه يملك جميع الأشياء من جميع الوجوه ، فكلّ ملك سواه يملك بعض الأشياء من بعض الوجوه. والحق هو الشيء الذي من اعتقده كان على ما اعتقده فالله هو الحق لأن من اعتقد أنه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فقد اعتقد الشيء على ما هو به (رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) أي خالق السرير الحسن ، والكريم في صفة الجماد بمعنى الحسن وقيل : الكريم ، الكثير الخير ؛ وصف العرش به لكثرة ما فيه من الخير لمن حوله ، ولإتيان الخير من جهته وخصّ العرش بالذكر مع كونه سبحانه رب كل شيء تشريفا وتعظيما له كقوله : (رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) أي لا حجّة له فيما يدعيه يعني ان من صفته انه لا حجّة له به (فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) معناه : فإنما معرفة مقدار ما يستحقه من الجزاء عند ربه فيجازيه على قدر ما يستحقه وقيل معناه فإنما مكافأته عند الله تعالى والمكافأة والمحاسبة بمعنى (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) أي لا يظفر ولا يسعد الجاحدون لنعم الله ، والمنكرون لتوحيده ، والدافعون للبعث والنشور. ولما حكى سبحانه أقوال الكفار أمر نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بالتبري منهم ، والانقطاع إليه سبحانه فقال (وَقُلْ) يا محمد (رَبِّ اغْفِرْ) الذنوب (وَارْحَمْ) أنعم على خلقك (وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) أي أفضل المنعمين وأكثرهم نعمة ، وأوسعهم فضلا.
سورة النور
مدنية وعدد آياتها أربع وستون آية
١ ـ ٣ (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) أي هذه سورة قطعة من القرآن بها أول وآخر أنزلها جبرائيل عليهالسلام بأمرنا (وَفَرَضْناها) أي وأوجبنا عليكم العمل بها وعلى من بعدكم إلى يوم القيامة (وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ) أي دلالات واضحات على وحدانيتنا ، وكمال قدرتنا (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي لكي تتذكروا فتعملوا بما فيها. ثم ذكر سبحانه تلك الآيات وابتدأ بحكم الزنا فقال (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) أي من زنى من النساء ، ومن زنى