من الخير والشر ، والطاعات والمعاصي (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ) من أعمالهم وغيرها (عَلِيمٌ) معناه : يردّون إليه للجزاء فيجازي كلّا على قدر عمله من الثواب والعقاب.
سورة الفرقان
مكية وعدد آياتها سبع وسبعون آية
اتصلت هذه السورة بسورة النور اتصال النظير بالنظير ، فإنّ مختتم تلك السورة تضمن أنّ لله ما في السماوات والأرض وأنّه بكل شيء عليم ، ومفتتح هذه السورة أنّ له ملك السماوات والأرض ، سبحانه من قدير حكيم.
١ ـ ١٠ (تَبارَكَ) تفاعل من البركة معناه : عظمت بركاته وكثرت عن ابن عباس ، والبركة : الكثرة من الخير وقيل معناه تقدّس وجلّ بما لم يزل عليه من الصفات ولا يزال كذلك فلا يشارك فيها غيره وأصله من بروك الطير فكأنه قال ثبت ودام فيما لم يزل ولا يزال عن جماعة من المفسرين وقيل معناه قام بكل بركة وجاء بكل بركة (الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ) أي القرآن الذي يفرّق بين الحق والباطل ، والثواب والخطأ في أمور الدين بما فيه من الحثّ على أفعال الخير ، والزجر عن القبائح والشر (عَلى عَبْدِهِ) محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم (لِيَكُونَ) محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم بالقرآن (لِلْعالَمِينَ) أي لجميع المكلفين من الإنس والجن (نَذِيراً) أي مخوّفا بالعقاب ، وداعيا لهم إلى الرشاد. ثم وصف سبحانه نفسه فقال (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) كما زعمت اليهود والنصارى والمشركون (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) يشاركه فيما خلق ، ويمنعه عن مراده (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) مما يطلق عليه اسم المخلوق (فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) على ما اقتضته الحكمة ، والتقدير : تبيين مقادير الأشياء للعباد فيكون معناه : قدر الأشياء بأن كتبها في الكتاب الذي كتبه الملائكة لطفا لهم. ثم أخبر سبحانه عن الكفار فقال (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ) أي من دون الله (آلِهَةً) من الأصنام والأوثان وجهوا عبادتهم إليها ؛ ثم وصف آلهتهم بما ينبىء أنها لا تستحق العبادة فقال (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) أي وهي مخلوقة مصنوعة (وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا) فيدفعونه عن أنفسهم (وَلا نَفْعاً) فيجرونه إلى أنفسهم (وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً) أي لا يستطيعون اماتة ولا إحياء (وَلا نُشُوراً) ولا إعادة بعد الموت يقال أنشره الله فنشر فإن جميع ذلك يختصّ الله تعالى بالقدرة عليه والمعنى : فكيف يعبدون من لا يقدر على شيء من ذلك ، ويتركون عبادة ربهم الذي يملك ذلك كله. ثم أخبر سبحانه عن تكذيبهم بالقرآن فقال (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ) أي ما هذا القرآن إلا كذب افتراه محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واختلقه من تلقاء نفسه (وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) قالوا أعان محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم على هذا القرآن عداس مولى حويطب بن عبد
__________________
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : فالقرآن آمر زاجر ، وصامت ناطق ، حجّة الله على خلقه ، أخذ عليهم ميثاقه ، وارتهن عليه أنفسهم ، أتمّ نوره ، وأكمل به دينه ، وقبض نبيّه صلىاللهعليهوآله وقد فرغ إلى الخلق من أحكام الهدى به ، فعظّموا منه سبحانه ما عظّم من نفسه ، فإنه لم يخف عنكم شيئا من دينه ، ولم يترك شيئا رضيه أو كرهه إلّا وجعل له علما باديا ، وآية محكمة تزجر عنه ، أو تدعو إليه ، فرضاه فيما بقي واحد ، وسخطه فيما بقي واحد نهج البلاغة. خطبة : ١٧٩.