وردّوا هجاء من هجاه (وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله ، ولم يجعلوا الشعر همّهم (وَانْتَصَرُوا) من المشركين للرسول والمؤمنين (مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) أي ردّوا على المشركين ما كانوا يهجون به المؤمنين. ثم هدّد الظالمين فقال : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) أي سوف يعلم أيّ مرجع يرجعون ، وأيّ منصرف ينصرفون ، لأن منصرفهم إلى النار نعوذ بالله منها.
سورة النمل
مكية وعدد آياتها ثلاث وتسعون آية
١ ـ ١٠ ـ (طس) سبق تفسيره (تِلْكَ) إشارة إلى ما وعدوا بمجيئه من القرآن (آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) أضاف الآيات إلى القرآن ، وآيات القرآن هي القرآن ، والقرآن والكتاب معناهما واحد ، وصفه بالصفتين ليفيد أنه مما يظهر بالقراءة ويظهر بالكتابة ، وهو بمنزلة الناطق بما فيه من الأمرين جميعا ، ووصفه بأنه مبين تشبيه له بالناطق بكذا ومعناه : أن الله بيّن فيه أمره ونهيه ، وحلاله وحرامه ، ووعده ووعيده ؛ وإذا وصفه بأنه بيان فإنه يجري مجرى وصفه له بالنطق بهذه الأشياء في ظهور المعنى به للنفس ، والبيان : هو الدلالة التي تبيّن بها الأشياء ، والمبين : المظهر (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) أي هدى من الضلالة إلى الحق بالبيان الذي فيه والبرهان ، وباللطف فيه من جهة الإعجاز الدال على صحة أمر النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبشرى للمؤمنين بالجنة والثواب. ثم وصف المؤمنين فقال (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) بحدودها وواجباتها ويداومون على أوقاتها (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) أي ويخرجون ما يجب عليهم من الزكاة في أموالهم إلى من يستحقها (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ) أي بالنشأة الآخرة والبعث والجزاء (هُمْ يُوقِنُونَ) لا يشكّون فيه. ثم وصف من خالفهم فقال : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) اختلف في معناه فقيل : ان المعنى : زيّنا لهم أعمالهم التي أمرناهم بها بأحسن وجوه التزيين والترغيب ، فهم يتحيّرون بالذهاب عنها ، عن الحسن والجبائي وأبي مسلم ، وقيل : زيّنا لهم أعمالهم بأن خلقنا فيهم شهوة القبيح الداعية لهم إلى فعل المعاصي ليجتنبوا المشتهى ، فهم يعمهون عن هذا المعنى ، ويترددون في الحيرة ، وقيل معناه : حرمناهم التوفيق عقوبة لهم على كفرهم ، فتزينت أعمالهم في أعينهم ، وحليت في صدورهم (أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ) أي شدة العذاب وصعوبته (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) أي لا أحد أخسر صفقة منهم لأنهم يخسرون الثواب ، ويحصل لهم بدلا منه العقاب (وَإِنَّكَ) يا محمد (لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ) أي لتعطى (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ) في أمره (عَلِيمٍ) بخلقه ، أي من عند الله ، لأن الملك يلقيه من قبل الله سبحانه وقيل معناه : لتلقن قال علي بن عيسى عليم بمعنى عالم ، إلا ان في عليم مبالغة فهو مثل سامع وسميع ، لأن في قولنا : عالم يفيد أن له معلوما ، كما ان قولنا : سامع يفيد أن له مسموعا وإذا وصفناه بأنه عليم أفاد أنه متى يصح معلوم فهو عالم به ، كما ان سميعا يفيد أنه متى وجد مسموع فلا بدّ أن يكون سامعا له (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ) قال الزجاج العامل في إذ أذكر أي : أذكر في قصة موسى إذ قال لأهله ، أي امرأته وهي بنت شعيب (إِنِّي آنَسْتُ ناراً) أي أبصرت ورأيت نارا ومنه اشتقاق الإنس لأنهم مرئيون وقيل : آنست أي : أحسست بالشيء من جهة يؤنس بها ، وما أنست به فقد أحسست به مع سكون نفسك إليه (سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) معناه : فالزموا مكانكم لعلي آتيكم من هذه النار بخبر الطريق ، وأهتدي بها إلى الطريق ، لأنه كان أضلّ الطريق (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ) أى بشعلة نار ، والشهاب : نور كالعمود من النار ، وكل نور