الحياة التي لا تنغيص فيها ولا تكدير (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) الفرق بين الحياة الفانية والحياة الباقية الدائمة ، أي لو علموا لرغبوا في الباقي ، وزهدوا في الفاني ، ولكنّهم لا يعلمون (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أخبر الله سبحانه عن حال هؤلاء الكفار فقال : انهم إذا ركبوا في السفن في البحر وهاجت به الرياح ، وتلاطمت به الأمواج ، وخافوا الهلاك ، أخلصوا الدعاء لله مستيقنين أنه لا يكشف السوء إلا هو ، وتركوا شركاءهم فلم يطلبوا منهم انجاءهم (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) إي فلما خلّصهم إلى البر ، وأمنوا الهلاك ، عادوا إلى ما كانوا عليه من الإشراك معه في العبادة (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) إن جعلت اللام للأمر فمعناه التهديد أي ليجحدوا نعم الله في انجائه إياهم ، وليتمتعوا بباقي عمرهم ، فسوف يعلمون عاقبة كفرهم وان جعلتها لام كي فالمعنى انهم يشركون ليكفروا وقد مرّ معناه (أَوَلَمْ يَرَوْا) أي ألم يعلم هؤلاء الكفار (أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) يأمن أهله فيه من القتل والغارة (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) أي يقتل بعضهم بعضا فيما حولهم وهم آمنون في الحرم. ذكّرهم سبحانه النعمة بذلك ليذعنوا له بالطاعة ، وينزجروا عن عبادة غيره ؛ ثم قال مهدّدا لهم (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) أي يصدقون بعبادة الأصنام وهي باطلة مضمحلة (وَبِنِعْمَةِ اللهِ) التي أنعم بها عليهم (يَكْفُرُونَ) ثم قال (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) أي لا ظالم أظلم ممن أضاف إلى الله ما لم يقله من عبادة الأصنام وغيرها (أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِ) أي بالقرآن وقيل : بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) هذا استفهام تقرير أي أما لهؤلاء الكفار المكذبين مثوى في جهنم؟ وهذا مبالغة في انجاز الوعيد لهم (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا) أي جاهدوا الكفار ابتغاء مرضاتنا ، وطاعة لنا ، وجاهدوا أنفسهم في هواها خوفا منا وقيل مرضاتنا ، وطاعة لنا ، وجاهدوا أنفسهم في هواها خوفا منا وقيل معناه : اجتهدوا في عبادتنا رغبة في ثوابنا ، ورهبة من عقابنا (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) أي لنهدينهم السبل الموصلة إلى ثوابنا عن ابن عباس وقيل : لنوفقنهم لإزدياد الطاعات فيزداد ثوابهم وقيل معناه والذين جاهدوا في إقامة السنة لنهدينّهم سبل الجنة وقيل معناه : والذين يعملون بما يعلمون لنهدينهم إلى ما لا يعلمون (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) بالنصر والمعونة في دنياهم ، والثواب والمغفرة في عقباهم.
سورة الروم
مكية وعدد آياتها ستون آية
١ ـ ٧ ـ (الم) مر تفسيره (غُلِبَتِ الرُّومُ) قال المفسرون : غلبت فارس الروم وظهروا عليهم على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وفرح بذلك كفار قريش من حيث ان أهل فارس لم يكونوا أهل كتاب ، وساء ذلك المسلمين ، وكان بيت المقدس لأهل الروم كالكعبة للمسلمين فدفعتهم فارس عنه (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) أي في أدنى الأرض من أرض العرب ، عن الزجاج ، وقيل في أدنى الأرض من أرض الشام إلى أرض فارس يريد الجزيرة ، وهي أقرب أرض الروم إلى فارس ، عن مجاهد ، وقيل : يريد اذرعات وكسكر ، عن عكرمة (وَهُمْ) يعني الروم (مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) أي من بعد غلبة فارس إياهم سيغلبون فارس (فِي بِضْعِ سِنِينَ) وهذه من الآيات الدالة على ان القرآن من عند الله عزوجل لأن فيه أنباء ما سيكون وما يعلم ذلك إلا الله عزوجل وروى أبو عبد الله الحافظ بالاسناد عن ابن عباس في قوله ((الم غُلِبَتِ الرُّومُ)) قد مضى ، كان ذلك في أهل فارس والروم ، وكانت فارس قد غلبت عليهم ، ثم غلبت الروم بعد ذلك ، ولقي النبيّ الله مشركي العرب ، والتقت الروم وفارس ،