سورة يس
مكية وعدد آياتها ثلاث وثمانون آية
١ ـ ١٠ ـ (يس) قد مضى الكلام في الحروف المعجمة عند مفتتح السور في أول البقرة واختلاف الأقوال فيها وقيل أيضا : يس معناه : يا إنسان عن ابن عباس. وقيل معناه : هو اسم النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) أقسم سبحانه بالقرآن المحكم من الباطل ، وسمّاه حكيما لما فيه من الحكمة ، فكأنّه المظهر للحكمة الناطق بها (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) أي ممن أرسله الله تعالى بالنبوة والرسالة (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) يؤدّي بسالكه إلى الحق (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ) أي هذا القرآن تنزيل العزيز في ملكه (الرَّحِيمِ) بخلقه ولذلك أرسله. ثم بيّن سبحانه الغرض في بعثته فقال (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) أي لتخوّف به من معاصي الله قوما لم ينذر آباؤهم قبلهم لأنهم كانوا في زمان الفترة بين عيسى ومحمد عليهماالسلام (فَهُمْ غافِلُونَ) عمّا تضمّنه القرآن ، وعمّا أنذر الله به من نزول العذاب والغفلة مثل السهو : وهو ذهاب المعنى عن النفس. ثم أقسم سبحانه مرة أخرى فقال (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ) أي وجب الوعيد واستحقاق العقاب عليهم (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ويموتون على كفرهم ، وقد سبق ذلك في علم الله (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ) يعني أيديهم ، كنّى عنها وان لم يذكرها لأن الأعناق والأغلال تدلّان عليها ؛ وذلك ان الغل إنما يجمع اليد إلى الذقن والعنق. واختلف في معنى الآية على وجوه : (أحدها) انه سبحانه إنما ذكره ضربا للمثل ، وتقديره : مثل هؤلاء المشركين في اعراضهم عما تدعوهم اليه كمثل رجل غلت يداه إلى عنقه لا يمكنه أن يبسطها إلى خير ، ورجل طامح برأسه لا يبصر موطىء قدميه (وثانيهما) ان المعنى بذلك ناس من قريش همّوا بقتل النبي صلىاللهعليهوآله ، فجعلت أيديهم إلى أعناقهم فلم يستطيعوا ان يبسطوا اليه يدا ، عن ابن عباس والسدي (وثالثها) ان المراد به وصف حالهم يوم القيامة فهو مثل قوله : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) وإنما ذكره بلفظ الماضي للتحقيق وقوله (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) أراد أن أيديهم لما غلّت إلى أعناقهم ، ورفعت الأغلال إيّاها عن الأزهري ويدل على هذا المعنى قول قتادة مقمحون : مغلولون (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) هذا على أحد الوجهين تشبيه لهم بمن هذه صفته في اعراضهم عن الإيمان وقبول الحق ، وذلك عبارة عن خذلان الله إياهم لمّا كفروا فكأنّه قال : وتركناهم مخذولين فصار ذلك من بين أيديهم سدّا ومن خلفهم سدا وإذا قلنا : أنه وصف حالهم في الآخرة فالكلام على حقيقته ويكون عبارة عن ضيق المكان في النار بحيث لا يجدون متقدّما ولا متأخّرا إذ سدّ عليهم جوانبهم ، وإذا حملناه على صفة القوم الذين همّوا بقتل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فالمراد : جعلنا بين أيدي أولئك الكفار منعا ، ومن خلفهم منعا حتى لم يبصروا النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وقوله : (فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) : أي أغشينا أبصارهم فهم لا يبصرون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقد روي ان أبا جهل همّ بقتله صلىاللهعليهوآلهوسلم فكان إذا خرج بالليل لا يراه ويحول الله بينه وبينه وقيل : فأغشيناهم فأعميناهم فهم لا يبصرون الهدى وقيل معناه : انهم لمّا انصرفوا عن الإيمان والقرآن لزمهم ذلك حتى لم يكادوا يتخلصون منه بوجه كالمغلول والمسدود عليه طرقه (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) هذا مفسّر في سورة البقرة.