العذاب محلّ المنسي كما أحللتم هذا اليوم عندكم محلّ المنسي (وَمَأْواكُمُ النَّارُ) أي مستقركم جهنّم (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) يدفعون عنكم عذاب الله (ذلِكُمْ) الذي فعلنا بكم (بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً) أي سخرية تسخرون منها (وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) أي خدعتكم بزينتها فاغتررتم بها (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها) أي من النار وقرأ أهل الكوفة غير عاصم يخرجون بفتح الياء كما في قوله : (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) أي لا يطلب منهم العتبى والاعتذار لأن التكليف قد زال وقيل معناه لا يقبل منهم العتبى. ثم ذكر سبحانه عظمته فقال (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي الشكر التامّ ، والمدحة التي لا يوازيها مدحة لله الذي خلق السماوات والأرض ودبّرهما ، وخلق العالمين (وَلَهُ الْكِبْرِياءُ) أي السلطان القاهر ، والعظمة القاهرة ، والعلوّ والرفعة (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لا يستحقهما أحد سواه ، وفي الحديث يقول الله سبحانه : الكبرياء ردائي ، والعظمة ازاري ، فمن نازعني واحدة منهما ألقيته في جهنّم (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في جلاله (الْحَكِيمُ) في أفعاله وقيل العزيز في انتقامه من الكفار والحكيم فيما يفعله بالمؤمنين والأخيار.
سورة الأحقاف
مكية وعدد آياتها خمس وثلاثون آية
لمّا ختم الله تلك السورة بذكر التوحيد وذمّ أهل الشرك والوعيد افتتح هذه السورة أيضا بالتوحيد ثم بالتوبيخ لاهل الكفر من العبيد فقال :
١ ـ ٥ ـ (حم) قد تقدّم القول فيه ، وقيل في وجه الاشتراك في افتتاح هذه السور السبع ب حم؟؟؟ : انه للمشاكلة التي بينها بما يختص به وليس لغيرها ، وذلك ان كل واحدة منها استفتحت بصفة الكتاب مع تقاربهما في الطول ، ومع شدة تشاكل الكلام في النظم (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) وأضاف التنزيل إلى نفسه في مواضع من السور استفتاحا بتعظيم شأنه ، وتفخيم قدره باضافته إلى نفسه من أكرم الوجوه وأجلّها ، وما اقتضى هذا المعنى لم يكن تكريرا ، فقد يقول القائل : اللهم اغفر لي ، اللهم ارحمني ، اللهم عافني ، اللهم وسّع عليّ في رزقي ، فيأتي بما يؤذن أن تعظيمه لربه منعقد بكل ما يدعو به. وقوله (مِنَ اللهِ) يدل على ان ابتداءه من الله تعالى (الْعَزِيزِ) أي القادر الذي لا يغالب (الْحَكِيمِ) العالم الذي أفعاله كلها حكمة وصواب (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) اي ما خلقناهما عبثا ولا باطلا ، وانما خلقناهما لنتعبد سكانهما بالامر والنهي ، ونعرضهم للثواب وضروب النعم ، فنجازيهم في الآخرة باعمالهم (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) يعني يوم القيامة ، فانه اجل مسمى عنده ، مطوي عن العباد علمه اذا انتهى اليه تناهى وقامت القيامة وقيل : هو مسمى للملائكة وفي اللوح المحفوظ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) اي ان الكافرين عما انذروا من القيامة والجزاء معرضون عادلون عن التفكر فيه (قُلْ) لهؤلاء الذين كفروا بالله (أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الاصنام (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) فاستحقوا بخلق ذلك العبادة والشكر (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) اي في خلقها وتقديره : ام لهم شرك ونصيب في خلق السماوات. ثم قال : قل لهم (ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا) القرآن انزله الله يدل على صحة قولكم (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) اي بقية من علم يؤثر من كتب الاولين يعلمون به انهم