ولكن لتنتفعوا به في الآخرة (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) أي تعرضوا عن طاعته وعن أمر رسوله (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) أمثل وأطوع لله منكم (ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) بل يكونوا خيرا منكم وأطوع لله. وروى أبو هريرة ان ناسا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله قالوا : يا رسول الله من هؤلاء الذين ذكر الله في كتابه؟ وكان سلمان إلى جنب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فضرب يده على فخذ سلمان فقال : هذا وقومه ، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس وروى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال إن تتولوا يا معشر العرب يستبدل قوما غيركم يعني الموالي وعن أبي عبد الله (ع) قال قد والله أبدل بهم خيرا منهم الموالي.
سورة الفتح
مدنية وآياتها تسع وعشرون آية
١ ـ ٥ ـ (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) أي قضينا لك قضاءا ظاهرا عن قتادة وقيل معناه : يسرنا لك يسرا بينا ، عن مقاتل وقيل معناه أعلمناك علما ظاهرا فيما أنزلناه عليك من القرآن وأخبرناك به من الدين وقيل معناه أرشدناك إلى الإسلام وفتحنا لك أمر الدين عن الزجاج ثم اختلف في هذا الفتح على وجوه أحدها ان المراد به فتح مكّة ، وعدها الله ذلك عام الحديبية عند انكفائه منها عن أنس وقتادة وجماعة من المفسرين ، قال قتادة : نزلت هذه الآية عند مرجع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من الحديبية ، بشّر في ذلك الوقت بفتح مكّة وتقديره : انّا فتحنا لك مكّة ، أي قضينا لك بالنصر على أهلها ، وعن جابر قال : ما كنّا نعلم فتح مكّة إلّا يوم الحديبية وثانيها ان المراد بالفتح هنا صلح الحديبية وكان فتحا بغير قتال ، قال الفراء : الفتح قد يكون صلحا ، ومعنى الفتح في اللغة : فتح المنغلق ، والصلح الذي حصل مع المشركين بالحديبية كان مسدودا متعذرا حتى فتحه الله ، وقال الزهري : لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية ، وذلك أنّ المشركين اختلطوا بالمسلمين ، فسمعوا كلامهم فتمكّن الإسلام من قلوبهم ، وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير ، فكثر بهم سواد الإسلام (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنب أمّتك وما تأخّر بشفاعتك ؛ وأراد بذكر التقدم والتأخر ما تقدّم زمانه وما تأخّر ، كما يقول القائل لغيره : صفحت عن السالف والآنف من ذنوبك (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) معناه ويتمّ نعمته عليك في الدنيا باظهارك على عدوك ، وإعلاء أمرك ، ونصرة دينك وبقاء شرعك ، وفي الآخرة برفع محلك ، فإن معنى اتمام النعمة فعل ما يقتضيها وتبقيتها على صاحبها ، والزيادة فيها (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) أي ويثبتك على صراط يؤدي بسالكه إلى الجنة (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) النصر العزيز : هو ما يمتنع به من كل جبار عنيد ، وعات مريد ، وقد فعل ذلك بنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ صيّر دينه أعزّ الأديان ، وسلطانه أعظم السلطان (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) هي النصرة للمؤمنين لتسكن بذلك قلوبهم ، ويثبتوا في القتال (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) أي يقينا إلى يقينهم بما يرون من الفتوح ، وعلو كلمة الإسلام على وفق ما وعدوا (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعني الملائكة والجن والإنس والشياطين والمعنى : انه لو شاء لأعانكم بهم ، وفيه بيان انه لو شاء لأهلك المشركين لكنه عالم بهم وبما يخرج من أصلابهم ، فأمهلهم لعلمه وحكمته ، ولم يأمر بالقتال عن عجز واحتياج ، لكن ليعرض المجاهدين لجزيل الثواب (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) فكل أفعاله حكمة وصواب (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ