وصفهم هو ما وصفوا به في التوراة أيضا. ثم ذكر نعتهم في الإنجيل فقال (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) أي فراخه (فَآزَرَهُ) أي شدّه وأعانه وقوّاه. قال المبرد : يعني ان هذه الأفراخ لحقت الأمهات حتى صارت مثلها (فَاسْتَغْلَظَ) أي غلظ ذلك الزرع (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) أي قام على قصبه وأصوله ، فاستوى الصغار مع الكبار والمعنى : انّه تناهى وبلغ الغاية (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) أي يروع ذلك الزرع الزراع ، أي الاكرة الذين زرعوه. قال الواحدي : هذا مثل ضربه الله تعالى بمحمد وأصحابه ، فالزرع محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والشطأ أصحابه والمؤمنون حوله ، وكانوا في ضعف وقلة كما يكون أول الزرع دقيقا ، ثم غلظ وقوي وتلاحق فكذلك المؤمنون قوّى بعضهم بعضا حتى استغلظوا واستووا على أمرهم (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) أي إنّما كثرهم الله وقواهم ليكونوا غيظا للكافرين بتوافرهم وتظاهرهم واتفاقهم على الطاعة. ثم قال سبحانه (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي وعد من أقام على الإيمان والطاعة (مِنْهُمْ مَغْفِرَةً) أي سترا على ذنوبهم الماضية (وَأَجْراً عَظِيماً) أي ثوابا جزيلا دائما.
سورة الحجرات
مدنية وآياتها ثماني عشرة آية
١ ـ ٥ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) روى زرارة عن أبي جعفر (ع) انه قال : ما سلّت السيوف ، ولا أقيمت الصفوف ، في صلاة ولا زحوف ، ولا جهر بأذان ، ولا أنزل الله يا أيّها الذين آمنوا ، حتى أسلم أبناء قبيلة الأوس والخزرج (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) بين اليدين عبارة عن الإمام ، لأنّ ما بين يدي الإنسان أمامه ومعناه : لا تقطعوا أمرا دون الله ورسوله ولا تعجلوا به وقيل معناه لا تقدموا أعمال الطاعة قبل الوقت الذي أمر الله ورسوله به حتى انه قيل : لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقتها عن الزجاج وقيل معناه : لا تمكنوا أحدا يمشي أمام رسول الله (ص) وآله بل كونوا تبعا له ، وأخروا أقوالكم وأفعالكم عن قوله وفعله ، وقال الحسن : نزل في قوم ذبحوا الأضحية قبل صلاة العيد فأمرهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالإعادة وقال ابن عباس : نهوا أن يتكلموا قبل كلامه ، أي إذا كنتم جالسين في مجلس رسول الله صلىاللهعليهوآله فسئل عن مسألة فلا تسبقوه بالجواب حتى يجيب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أولا ، وقيل معناه لا تسبقوه بقول ولا فعل حتى يأمركم به عن الكلبي والسدّي ، والأولى حمل الآية على الجميع ، فإن كل شيء كان خلافا لله ورسوله إذا فعل فهو تقديم بين يدي الله ورسوله وذلك ممنوع (وَاتَّقُوا اللهَ) أي اجتنبوا معاصيه (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لأقوالكم (عَلِيمٌ) بأعمالكم فيجازيكم بها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) لأن فيه أحد الشيئين : إما نوع استخفاف به فهو الكفر ، وإما سوء الأدب فهو خلاف التعظيم المأمور به (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) أي غضّوا أصواتكم عند مخاطبتكم إياه وفي مجلسه ، فإنّه ليس مثلكم إذ يجب تعظيمه وتوقيره من كل وجه (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) لئلا تحبط (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) أي وأنتم لا تعلمون أنّكم احبطتم أعمالكم بجهر صوتكم على صوته وترك تعظيمه قال أنس : لما نزلت هذه الآية قال ثابت بن قيس : أنا الذي كنت أرفع صوتي فوق صوت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأجهر له بالقول ، حبط عملي وأنا من أهل النار ـ وكان ثابت رفيع الصوت ـ فذكر ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : هو من أهل الجنة وقال أصحابنا : ان المعنى في قوله (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) : انه ينحبط ثواب ذلك العمل لأنهم لو أوقعوه على وجه تعظيم النبي صلىاللهعليهوآله