سورة ق
مكية وآياتها خمس وأربعون آية
لما ختّم الله تلك السورة بذكر الإيمان وشرائطه للعبيد ، افتتح هذه السورة بذكر ما يجب الإيمان به من القرآن ، وأدلة التوحيد فقال :
١ ـ ٥ ـ (ق) قد مرّ تفسيره وقيل : انّه اسم من أسماء الله تعالى ، عن ابن عباس وقيل : هو اسم الجبل المحيط بالأرض من زمردة خضراء ، خضرة السماء منها ، عن الضحاك وعكرمة وقيل معناه قضي الأمر أو قضي ما هو كائن كما قيل في حم حمّ الأمر (وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) أي الكريم على الله ، العظيم في نفسه ، الكثير الخير والنفع لتبعثن يوم القيامة وقيل تقديره : والقرآن المجيد ان محمدا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بدلالة قوله (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) أي ما كذبك قومك لأنّك كاذب ، بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم وحسبوا أنّه لا يوحى إلّا إلى ملك (فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) أي معجب ، عجبوا من كون محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم رسولا إليهم فأنكروا رسالته ، وأنكروا البعث بعد الموت وهو قوله (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) أنبعث ونرد أحياء (ذلِكَ) أي ذلك الرد الذي يقولون (رَجْعٌ بَعِيدٌ) أي ردّ بعيد عن الأوهام ، واعادة بعيدة عن الكون والمعنى : انه لا يكون ذلك لأنه غير ممكن. ثم قال سبحانه (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) أي ما تأكل الأرض من لحومهم ودمائهم ، وتبليه من عظامهم فلا يتعذر علينا ردهم (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) أي حافظ لعدتهم وأسمائهم وهو اللوح المحفوظ ، لا يشذّ عنه شيء وقيل : حفيظ : أي محفوظ عن البلى والدروس وهو كتاب الحفظة الذين يكتبون أعمالهم. ثم أخبر سبحانه بتكذيبهم (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) والحق القرآن وقيل : هو الرسول (فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) أي مختلط ، فمرة قالوا : مجنون ، وتارة قالوا : ساحر وتارة قالوا : شاعر ، فتحيروا في أمرهم لجهلهم بحاله ولم يثبتوا على شيء واحد وقالوا للقرآن : انه سحر مرة ، ورجز مرة ، ومفترى مرة ، فكان أمرهم ملتبسا عليهم.
٦ ـ ١١ ـ ثم أقام سبحانه الدلالة على كونه قادرا على البعث فقال (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ) أي ألم يتفكروا في بناء السماء مع عظمها ، وحسن ترتيبها وانتظامها (كَيْفَ بَنَيْناها) بغير علاقة ولا عماد (وَزَيَّنَّاها) بالكواكب السيارة ، والنجوم الثوابت (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) أي شقوق وفتوق ، وقيل معناه : ليس فيها تفاوت واختلاف عن الكسائي ، وإنّما قال : فوقهم بنيناها على انهم يرونها ويشاهدونها ثم لا يتفكرون فيها (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) أي بسطناها (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) أي جبالا رواسخ تمسكها عن الميدان (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) أي من كل صنف حسن المنظر والبهجة : الحسن الذي له روعة عند الرؤية كالزهرة والأشجار النضرة ، والرياض الخضرة (تَبْصِرَةً وَذِكْرى) أي فعلنا ذلك تبصيرا ليبصر به أمر
__________________
إنّ رجلا سأل أبا عبد الله عليهالسلام : ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلّا غضاضة (١)
فقال عليهالسلام : لأن الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان ، ولا لناس دون ناس ، فهو في كل زمان جديد ، وعند كل قوم غضّ إلى يوم القيامة. بحار الأنوار : ٨٩ / ١٥.
١ ـ غضاضة : بهجة ونضارة.