سورة الفاتحة مكية
وآياتها سبع
إتفقوا على التلفظ بالتعوذ قبل التسمية : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
أمر الله بالإستعاذة من الشيطان إذ لا يكاد يخلو من وسوسته الإنسان فقال : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) ، ومعنى أعوذ الجأ إلى الله من شر الشيطان البعيد من الخير.
١ ـ (بِسْمِ اللهِ) أستعين بالله واقرأ مبتدئا بتسمية الله لأنا إنما أمرنا بأن نفتتح أمورنا بتسمية الله كما أمرنا بالتسمية على الأكل والشرب والذبائح ، ومعنى الله والإله : أنه الذي تحق له العبادة ، وإنما تحق له العبادة لأنه قادر على خلق الأجسام وإحيائها والإنعام عليها بما يستحق به العبادة وهو تعالى إله للحيوان والجماد لأنه قادر على أن ينعم على كل منهما بما معه يستحق به العبادة ، وإنما قدم الرحمن على الرحيم لأن الرحمن بمنزلة إسم العلم من حيث لا يوصف به إلا الله فوجب لذلك تقديمه بخلاف الرحيم لأنه يطلق عليه وعلى غيره ، وعن بعض التابعين قال : الرحمن بجميع الخلق ، والرحيم بالمؤمنين خاصة.
٢ ـ معنى الآية أن الأوصاف الجميلة والثناء الحسن كلها لله الذي تحق له العبادة لكونه قادرا على أصول النعم ، وفاعلا لها ، ولكونه منشئا للخلق ومربيا لهم ، ومصلحا لشأنهم ، وفي الآية دلالة على وجوب الشكر لله على نعمه ، وفيها تعليم للعباد كيف يحمدونه.
٣ ـ قد مضى تفسيرها وإنما أعاد ذكر الرحمن والرحيم للمبالغة ، وقال علي بن عيسى الرماني : في الأول ذكر العبودية فوصل ذلك بشكر النعم التي بها يستحق العبادة ، وهاهنا ذكر الحمد فوصله بذكر ما به يستحق الحمد من النعم ، فليس فيه تكرار.
٤ ـ انه سبحانه لما بيّن ملكه في الدنيا بقوله (رَبِّ الْعالَمِينَ) بيّن أيضا ملكه في الآخرة بقوله : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، وأراد باليوم الوقت ، وقال أبو علي الجبائي : أراد به يوم الجزاء على الدين ، وقال محمد بن كعب : أراد يوم لا ينفع إلّا الدين.
٥ ـ قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) معناه : نعبدك ولا نعبد سواك ، ونستعينك ولا نستعين غيرك ، ومعنى قوله : (إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) : إياك نستوفق ونطلب المعونة على عبادتك وعلى أمورنا كلها.
٦ ـ معناه ثبتنا على الدين الحق لأن الله تعالى قد هدى الخلق كلهم إلّا ان الإنسان قد يزلّ وترد عليه الخواطر الفاسدة ، فيحسن أن يسأل الله تعالى أن يثبته على دينه ، ويديمه عليه ، ويعطيه زيادات الهدى التي هي إحدى أسباب الثبات على الدين كما قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً). ومعنى الصراط المستقيم : انه دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره.
٧ ـ أي صراط من أنعمت عليهم بطاعتك وهم الذين ذكرهم الله تعالى في قوله : (مَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ.)
وأراد بالمغضوب عليهم اليهود عند جميع المفسرين الخاص والعام ، ويدل عليه قوله تعالى : (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ) ، وهؤلاء هم اليهود بدلالة قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) ، وأراد بالضالين النصارى بدلالة قوله تعالى : (وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً