وفارس ، فقال المنافقون : أتظنون أن فارسا والروم كبعض القرى التي غلبتم عليها ، فأنزل الله هذه الآية. ثم قال سبحانه (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي يوالون من خالف الله ورسوله والمعنى : لا تجتمع موالاة الكفار مع الإيمان ، والمراد به الموالاة في الدين (وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) أي وإن قربت قرابتهم منهم فإنهم لا يوالونهم إذا خالفوهم في الدين وقيل : إن الآية نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة ينذرهم بمجيء رسول الله إليهم ، وكان صلىاللهعليهوآله أخفى ذلك ، فلما عوتب على ذلك قال : أهلي بمكة ، أحببت أن يحوطوهم بيد تكون لي عندهم وقيل : انها نزلت في عبد الله بن أبيّ وابنه عبيد الله بن عبد الله وكان هذا الابن عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فشرب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : ابق فضلة من شرابك اسقها أبي لعل الله يطهر قلبه ، فأعطاه فأتى بها أباه فقال : ما هذا؟ فقال : بقية شراب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جئتك بها لتشربها لعل الله يطهر قلبك فقال : هلا جئتني ببول أمك ، فرجع إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : ائذن لي في قتله فقال : بل ترفق به عن السدّيّ ثم قال سبحانه (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) أي ثبت في قلوبهم الإيمان بما فعل بهم من الألطاف فصار كالمكتوب عن الحسن وقيل : كتب في قلوبهم علامة الإيمان ، ومعنى ذلك : انها سمة لمن يشاهدهم من الملائكة على أنهم مؤمنون ، كما ان قوله في الكفار : وطبع الله على قلوبهم ، علامة يعلم من شاهدها من الملائكة أنه مطبوع على قلبه عن أبي علي الفارسي (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) أي قوّاهم بنور الإيمان ، ويدل عليه قوله : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) عن الزجاج وقيل معناه : وقوّاهم بنور الحجج والبراهين حتى اهتدوا للحق وعملوا به وقيل قواهم بالقرآن الذي هو حياة القلوب من الجهل عن الربيع وقيل : أيدهم بجبرائيل في كثير من المواطن ينصرهم ويدفع عنهم (وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) بإخلاص الطاعة والعبادة منهم (وَرَضُوا عَنْهُ) بثواب الجنة وقيل : رضوا عنه بقضائه عليهم في الدنيا فلم يكرهوه (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ) أي جند الله وأنصار دينه ، ودعاة خلقه (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ألا كلمة تنبيه ان جنود الله وأولياءه هم المفلحون الناجون الظافرون بالبغية.
سورة الحشر
مدنية وآيها أربع وعشرون آية
النزول
نزلت السورة في اجلاء بني النضير من اليهود ، فمنهم من خرج إلى خيبر ، ومنهم من خرج إلى الشام ، وذلك أن النبي (ص) لما دخل المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه ، فقبل ذلك منهم ، فلما غزا رسول الله (ص) بدرا وظهر على المشركين قالوا : والله انه النبي الذي وجدنا نعته في التوراة ، لا ترد له راية ، فلما غزا غزاة أحد ، وهزم المسلمون ارتابوا ونقضوا العهد ، فركب كعب بن الأشرف في أربعين راكبا من اليهود إلى مكة ، فأتوا قريشا وحالفوهم وعاقدوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على محمد ، ثم دخل أبو سفيان في أربعين ، وكعب في أربعين من اليهود المسجد ، وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين الأستار والكعبة ، ثم رجع كعب بن الأشرف وأصحابه إلى المدينة ، ونزل جبرائيل فأخبر النبي (ص) بما تعاقد عليه كعب وأبو سفيان ، وأمره بقتل كعب ، فقتله محمد بن مسلمة الأنصاري ، وكان أخاه من الرضاعة.