تلطف في الاستدعاء إلى الإنفاق (يُضاعِفْهُ لَكُمْ) أي يعطي بدله اضعاف ذلك من واحد إلى سبعمائة ، إلى ما لا يتناهى ، فإن ثواب الصدقة يدوم (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ذنوبكم (وَاللهُ شَكُورٌ) أي مثيب مجاز على الشكر (حَلِيمٌ) لا يعاجل العباد بالعقوبة وهذا غاية الكرم (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي السر والعلانية ، وقيل : المعدوم والموجود ، وقيل : غير المحسوس والمحسوس (الْعَزِيزُ) القادر (الْحَكِيمُ) العالم وقيل : المحكم لأفعاله.
سورة الطلاق
مدنية وآيها اثنتا عشرة آية
١ ـ ٥ ـ نادى سبحانه نبيّه فقال (يا أَيُّهَا النَّبِيُ) ثم خاطب أمته فقال (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) لأنه السيد المقدم فإذا نودي وخوطب خطاب الجمع كانت أمته داخلة في ذلك الخطاب (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) أي لزمان عدتهن ، وذلك أن يطلّقها في طهر لم يجامعها فيه ، فهذا هو الطلاق للعدة لأنها تعتد بذلك الطهر من عدتها ، وتحصل في العدة عقيب الطلاق ، فالمعنى : فطلقوهن لطهرهن الذي يحصينه من عدتهن ، ولا تطلقوهن لحيضهن الذي لا يعتددن به من قرئهن ، فعلى هذا يكون العدة الطهر على ما ذهب إليه أصحابنا ، وهو مذهب الشافعي ، وقيل : ان المعنى : قبل عدتهن ، أي في طهر لم يجامعها فيه. ولا شبهة أن هذا الحكم للمدخول بها ، لأن المطلقة قبل المسيس لا عدة عليها ، وقد ورد به التنزيل في سورة الأحزاب وهو قوله : (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) ؛ وظاهر الآية أنه إذا طلقها في الحيض أو في طهر قد جامعها فيه فلا يقع الطلاق ، لأن الأمر يقتضي الإيجاب ، وبه قال سعيد بن المسيب ، وذهبت إليه الشيعة الإمامية ، وقال باقي الفقهاء : يقع الطلاق وإن كان بدعة ، وخلاف المأمور به ، وكذلك إن جمع ما بين التطليقات الثلاث فإنها بدعة عند أبي حنيفة وأصحابه. وجاءت الرواية عن علي بن أبي طالب (ع) عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز منه العرش. ثم قال سبحانه (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) أي عدوّا الاقراء التي تعتدّ بها. وإنما أمر الله سبحانه بإحصاء العدة لأن لها فيها حقا وهي النفقة والسكنى ، وللزوج فيها حقا وهي المراجعة ومنعها عن الأزواج لحقه ، وثبوت نسب الولد ، فأمره تعالى بإحصائها ليعلم وقت المراجعة ووقت فوت المراجعة وتحريمها عليه ، ورفع النفقة والسكنى ، ولكيلا تطول العدة لاستحقاق زيادة النفقة ، أو تقصرها لطلب الزوج. والعدة : هي قعود المرأة عن الزوج حتى تنقضي المدة المرتبة في الشريعة. ثم قال سبحانه (وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ) ولا تعصوه فيما أمركم به (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ) هن أيضا ، يعني في زمان العدة لا يجوز للزوج أن يخرج المطلقة المعتدة من مسكنه الذي كان يسكنها فيه قبل الطلاق ، وعلى المرأة أيضا أن لا تخرج في عدّتها إلا لضرورة ظاهرة ، فإن خرجت أثمت (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) أي ظاهرة واختلف في الفاحشة فقيل : هي البذاء على أهلها فيحل لهم إخراجها وقيل : هي خروجها قبل قضاء العدة عن ابن عمر في رواية أخرى ، وعن ابن عباس أنه قال : إن كل معصية لله تعالى ظاهرة فهي فاحشة (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ) يعني ما ذكره سبحانه من أحكام الطلاق وشروطه (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ) بأن يطلق على غير ما أمر الله تعالى به (فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) أي أثم فيما بينه وبين الله عزوجل ، وخرج عن الطاعة إلى المعصية ، وفعل ما يستحق به العقاب (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) أي لعل الله يحدث الرجعة في العدة وفي هذه الآية دلالة على أن الواجب في التطليق أن يوقع متفرقا ولا يجوز الجمع بين الثلاث ، لأن الله تعالى أكّد قوله : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) ، وبقوله : (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) ، ثم زاد في التأكيد بقوله :