شكركم (قُلْ) لهم يا محمد (هُوَ) الله تعالى (الَّذِي ذَرَأَكُمْ) أي خلقكم (فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) منها ، أي تبعثون إليه يوم القيامة فيجازيكم على أعمالكم. ثم حكى سبحانه ما كان يقوله الكفار مستبطئين عذاب الله ، مستهزئين بذلك فقال (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) من الخسف والحاصب (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أن ذلك يكون (قُلْ) يا محمد (إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) يعني علم الساعة (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ) أي مخوف لكم به (مُبِينٌ) أي مبين لكم ما أنزل الله إليّ من الوعد والوعيد والأحكام. ثم ذكر سبحانه حالهم عند نزول العذاب ومعاينته فقال (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً) والمراد به المستقبل والمعنى : إذا بعثوا ورأوا القيامة قد قامت ورأوا ما أعدّ لهم من العذاب (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي اسودّت وجوههم وعلتها الكآبة ، يعني قبحت وجوههم بالسواد (وَقِيلَ) لهؤلاء الكفار إذا شاهدوا العذاب (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) المعنى : كنتم به تستعجلون وتدعون الله بتعجيله وهو قولهم : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) الآية ، عن ابن زيد ، وقيل : هو تدعون من الدعوى ، أي لا جنة ولا نار ، عن الحسن. وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بالأسانيد الصحيحة عن الأعمش قال : لما رأوا لعلي بن أبي طالب عليهالسلام عند الله من الزلفى سيئت وجوه الذين كفروا ، وعن أبي جعفر عليهالسلام : فلما رأوا مكان علي عليهالسلام من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سيئت وجوه الذين كفروا ، يعني الذين كذبوا بفضله (قُلْ) لهؤلاء الكفار (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ) بأن يميتنا (أَوْ رَحِمَنا) بتأخير آجالنا (فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) استحقّوه بكفرهم ، وما الذي ينفعهم في دفع العذاب عنهم وقيل : إن الكفار كانوا يتمنّون موت النبي صلّى الله عليهم وآله وسلم وموت أصحابه فقيل له : قل لهم : إن أهلكني الله ومن معي بأن يميتني ويميت أصحابي فمن الذي ينفعكم ويؤمنكم من العذاب ، فإنه واقع بكم لا محالة (قُلْ) لهؤلاء الكفار على وجه التوبيخ لهم (هُوَ الرَّحْمنُ) أي ان الذي أدعوكم إليه هو الرحمن الذي عمت نعمته جميع الخلائق (آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) أي عليه اعتمدنا ، وجميع أمورنا إليه فوّضنا (فَسَتَعْلَمُونَ) معاشر الكفار يوم القيامة (مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) اليوم أنحن أم أنتم (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) أي غائرا ناضبا في الآبار والعيون (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) أي ظاهر للعيون أراد سبحانه أنه المنعم بالأرزاق فاشكروه واعبدوه ولا تشركوا به شيئا.
سورة القلم
مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية
١ ـ ١٦ ـ (ن) اختلفوا في معناه فقيل : هو اسم من أسماء السورة مثل : حم وص وما أشبه ذلك ، وقد ذكرنا ذلك مع غيره من الأقوال في مفتتح سورة البقرة ؛ وقيل : هو الحوت الذي عليه الأرضون ، عن ابن عباس ومجاهد ومقاتل والسدي ، وقيل : هو حرف من حروف الرحمن في رواية أخرى عن ابن عباس ، وقيل : هو الدواة ، عن الحسن وقتادة والضحاك ، وقيل : نون : لوح من نور ، وروي مرفوعا إلى النبي صلىاللهعليهوآله وقيل : هو نهر في الجنة قال الله له : كن مدادا فجمد ، وكان أبيض من اللبن ، وأحلى من الشهد ثم قال للقلم : اكتب فكتب القلم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة وقيل : المراد به الحوت في البحر وهو من آيات الله إذ خلقها في الماء ، فإذا فارق الماء مات ، كما ان حيوان البرّ إذا خالط الماء مات (وَالْقَلَمِ) الذي يكتب به ؛ أقسم الله به لمنافع الخلق فيه إذ هو أحد لساني الإنسان ، يؤدّي عنه ما في جنانه ، ويبلغ البعيد عنه ما يبلغ القريب بلسانه ، وبه تحفظ أحكام الدين ، وبه تستقيم أمور العالمين (وَما يَسْطُرُونَ) أي وما