رَبُّهُ) أي اختاره الله نبيّا (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي من جملة المطيعين لله ، التاركين لمعاصيه (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي قارب الذين كفروا (لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) أي ليرهقونك ، أي يقتلونك ويهلكونك وقيل : يصيبونك بأعينهم ، والكل يرجع في المعنى إلى الإصابة بالعين ، والمفسّرون كلّهم على أنه المراد في الآية (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) يعني القرآن (وَيَقُولُونَ) مع ذلك (إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) أي مغلوب على عقله مع علمهم بوقاره ووفور عقله ، تكذيبا عليه ، ومعاندة له (وَما هُوَ) أي وما القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) أي شرف (لِلْعالَمِينَ) إلى أن تقوم الساعة ، وقيل معناه : وما محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا شرف للخلق حيث هداهم إلى الرشد ، وأنقذهم من الضلالة ، وقيل : المراد بالذكر أنه يذكرهم أمر آخرتهم والثواب والعقاب ، والوعد والوعيد ؛ قال الحسن : دواء إصابة العين أن يقرأ الإنسان هذه الآية.
سورة الحاقة
مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية
١ ـ ١٠ ـ (الْحَاقَّةُ) اسم من أسماء القيامة في قول جميع المفسرين ، وسميت بذلك لأنها ذات الحواق من الأمور ، وهي الصادقة الواجبة الصدق لأن جميع أحكام القيامة واجبة الوقوع ، صادقة الوجود (مَا الْحَاقَّةُ) استفهام معناه التفخيم لحالها ، والتعظيم لشأنها ، ثم زاد سبحانه في التهويل فقال (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) أي كأنك لست تعلمها إذ لم تعاينها ، ولم تر ما فيها من الأهوال قال الثوري : يقال للمعلوم ما أدراك ، ولما ليس بمعلوم ما يدريك في جميع القرآن ، وإنما قال : لمن يعلمها ما أدراك لأنه إنما يعلمها بالصفة. ثم أخبر سبحانه عن المكذبين بها فقال (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) أي بيوم القيامة ، وإنما حسن أن توضع القارعة موضع الكناية لتذكر بهذه الصفة الهائلة بعد ذكرها بأنها الحاقة وإلا فقد كان يكفي أن يقول كذبت ثمود وعاد بها ثم أخبر سبحانه عن كيفية إهلاكهم فقال (فَأَمَّا ثَمُودُ) وهم قوم صالح (فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) أي أهلكوا بطغيانهم وكفرهم عن ابن عباس ومجاهد وقيل معناه : أهلكوا بالصيحة الطاغية وهي التي جاوزت المقدار حتى أهلكتهم عن قتادة والجبائي وأبي مسلم وقال الزجاج : أهلكوا بالرجفة الطاغية وقيل : بالخصلة المتجاوزة لحال غيرها في الشدة التي أهلك الله بها أهل الفساد (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ) أي باردة عن ابن عباس وقتادة ، كأنه تصطك الأسنان بما يسمع من صوتها لشدة بردها وقيل : الصرصر : الشديدة العصوف ، المتجاوزة لحدها المعروف (عاتِيَةٍ) عتت على خزانها في شدة الهبوب. روى الزهري عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال : ما يخرج من الريح شيء إلا عليها خزان يعلمون قدرها وعددها وكيلها ، حتى كانت التي أرسلت على عاد فاندفق منها فهم لا يعلمون قدر غضب الله فلذلك سمّيت عاتية (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ) أي سلّطها الله وأرسلها عليهم (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ) وهي التي تسميها العرب أيام العجوز ، ذات برد ورياح شديدة ، وقيل : سميت أيام العجوز لأنها في عجز الشتاء ، ولها أسامي مشهورة قالوا لليوم «الأول» صنّ «وللثاني» صنّبر «وللثالث» وبر «وللرابع» مطفىء الجمر «وللخامس» مكفىء الظعن وقيل «للسادس» الآمر «وللسابع» المؤتمر «وللثامن» المعلل. (حُسُوماً) أي ولاء متتابعة ليست لها فترة ، تتابع عليهم الشر حتى استأصلهم (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها) أي في تلك الأيام والليالي (صَرْعى) أي مصروعين (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) أي أصول نخل بالية نخرة (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) من بقية؟ أي لم يبق منهم أحد (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ) مرّ معناه (وَالْمُؤْتَفِكاتُ) أي وجاء أهل القرى المؤتفكات : أي المنقلبات بأهلها ، وهي