كخمر الدنيا وقيل : طهورا لا يصير بولا نجسا ، ولكن يصير رشحا في أبدانهم كريح المسك (إِنَّ هذا) يعني ما وصف من النعيم وأنواع الملاذ (كانَ لَكُمْ جَزاءً) أي مكافأة على أعمالكم الحسنة ، وطاعتكم المبرورة (وَكانَ سَعْيُكُمْ) في مرضاة الله ، وقيامكم بما أمركم الله به (مَشْكُوراً) أي مقبولا مرضيا جوزيتم عليه.
٢٣ ـ ٣١ ـ ثم أخبر سبحانه عن نفسه فقال (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) فصلناه في الإنزال آية بعد آية ولم ننزله جملة واحدة (فَاصْبِرْ) يا محمد على ما أمرتك به من تحمل أعباء الرسالة (لِحُكْمِ رَبِّكَ) أن تبلّغ الكتاب ، وتعمل به (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ) أي من مشركي مكة (آثِماً) يعني عتبة بن ربيعة (أَوْ كَفُوراً) يعني الوليد بن المغيرة ، فإنهما قالا له : ارجع عن هذا الأمر ونحن نرضيك بالمال والتزويج (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) أي أقبل على شأنك من ذكر الله ، والدعاء إليه ، وتبليغ الرسالة صباحا ومساءا ـ أي دائما ـ فإن الله ناصرك ومؤيدك ومعينك والبكرة : أول النهار والأصيل : العشي وهو أصل الليل (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) دخلت من للتبعيض والمعنى : فاسجد له في بعض الليل لأنه لم يأمره بقيام الليل كله (وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) أي في ليل طويل ، يريد التطوع بعد المكتوبة ؛ وروي عن الرضا عليهالسلام أنه سأله أحمد بن محمد عن هذه الآية وقال : ما ذلك التسبيح؟ قال : صلاة الليل (إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) أي يؤثرون اللذات والمنافع العاجلة في دار الدنيا (وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ) أي ويتركون أمامهم (يَوْماً ثَقِيلاً) أي عسيرا شديدا والمعنى : انهم لا يؤمنون به ، ولا يعملون له ثم قال سبحانه (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) أي قوينا واحكمنا خلقهم ، عن قتادة ومجاهد ، وقيل : أسرهم : أي مفاصلهم وقيل : أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب ، ولولا احكامه إياها على هذا الترتيب لما أمكن العمل بها ، والانتفاع منها وقيل : شددنا أسرهم جعلناهم أقوياء عن الجبائي وقيل معناه : كلّفناهم وشددناهم بالأمر والنهي كيلا يجاوزوا حدود الله كما يشد الأسير بالقيد لئلا يهرب (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً) أي أهلكناهم وأتينا بأشباههم فجعلناهم بدلا منهم ، ولكن نبقيهم إتماما للحجة (إِنَّ هذِهِ) السورة (تَذْكِرَةٌ) أي تذكير وعظة يتذكر بها أمر الآخرة (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) أي فمن أراد اتخذ إلى رضا ربه طريقا بأن يعمل بطاعته ، وينتهي عن معصيته (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أي وما تشاؤون اتخاذ الطريق إلى مرضاة الله اختيارا إلّا أن يشاء الله اجباركم عليه ، وإلجاءكم إليه ، فحينئذ تشاؤون ولا ينفعكم ذلك ، والتكليف زائل ، ولم يشأ الله هذه المشيئة بل شاء أن تختاروا الإيمان لتستحقوا الثواب (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) مرّ معناه (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) أي جنّته يعني المؤمنين (وَالظَّالِمِينَ) يعني ويجزي الكافرين والمشركين (أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً)
سورة المرسلات
مكية وعدد آياتها خمسون آية
١ ـ ١٥ ـ (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) يعني الرياح أرسلت متتابعة كعرف الفرس ، عن ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وقتادة وأبي صالح ، فعلى هذا يكون عرفا نصبا على الحال من قولهم : جاءوا إليه عرفا واحدا ، أي متتابعين وقيل : إنها الملائكة أرسلت بالمعروف من أمر الله ونهيه ، في رواية أخرى عن ابن مسعود وعن أبي حمزة الثمالي عن أصحاب علي عنه عليهالسلام ، وعلى هذا يكون مفعولا له وقيل : المراد بها