مقامه للحساب فيتركها عن مقاتل (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) له ، أي هي مقرّه ومأواه. ثم خاطب سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) أي متى يكون قيامها على ما وصفتها (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) أي لست في شيء من علمها وذكراها والمعنى : لا تعلمها. قال الحسن : أي ليس عندك علم بوقتها ، وإنما تعلم أنها تكون لا محالة (إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) أي قل لهم : إلى الله اجراؤها ، والمنتهى : موضع بلوغ الشيء ، فكأنّه قيل : إلى أمر ربك منتهى أمرها بإقامتها ، لأن منتهى أمرها بذكرها ووصفها والإقرار بها إلى الرسول ، ومنتهى أمرها بإقامتها إلى الله ، لا يقدر عليها إلا هو سبحانه وقيل معناه : إلى ربك منتهى علمها ، أي لا يعلم وقتها إلا هو (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) أي إنما أنت مخوف من يخاف قيامها ، أي إنما ينفع انذارك من يخافها ، فأما من لا يخشاها فكأنك لم تنذره (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها) أي يعاينون القيامة (لَمْ يَلْبَثُوا) في الدنيا (إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) أي إلّا قدر آخر نهار وأوله ومثله : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) ، وقد مرّ بيانه وقيل : ان معناه : انهم إذا رأوا الآخرة صغرت الدنيا في أعينهم حتى كأنهم لم يقيموا بها إلا عشية ، أو مقدار ضحى تلك العشية.
سورة عبس
مكية وآياتها اثنتان وأربعون آية
النزول
قيل نزلت الآيات في عبد الله بن أم مكتوم ، وذلك أنه أتى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام ، والعباس بن عبد المطلب ، وأبيّا وأمية ابني خلف ، يدعوهم إلى الله ، ويرجو إسلامهم فقال : يا رسول الله اقرئني وعلمني مما علمك الله ، فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مشتغل مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لقطعه كلامه. قال المرتضى علم الهدى قدس الله روحه : ليس في ظاهر الآية دلالة على توجهها إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل هو خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه ، وفيها ما يدل على أن المعني بها غيره ، لأن العبوس ليس من صفات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مع الأعداء المباينين فضلا عن المؤمنين المسترشدين ، ثم الوصف بأنه يتصدى للأغنياء ويتلهى عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة ، ويؤيد هذا القول قوله سبحانه في وصفه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وقوله : (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) ، فالظاهر أن قوله (عَبَسَ وَتَوَلَّى) المراد به غيره ، وقد روي عن الصادق عليهالسلام أنها نزلت في رجل من بني أمية كان عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فجاء ابن أم مكتوم فلما رآه تقذر منه ، وجمع نفسه وعبس واعرض بوجهه عنه ، فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه.
١ ـ ٢٣ ـ (عَبَسَ) أي بسر وقبض وجهه (وَتَوَلَّى) أي أعرض بوجهه (أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) أي لأن جاءه الأعمى (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ) أي لعل هذا الأعمى (يَزَّكَّى) يتطهر بالعمل الصالح وما يتعلمه منك (أَوْ يَذَّكَّرُ) أي يتذكر فيتّعظ بما يعلمه من مواعظ القرآن (فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) في دينه (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) أي من كان عظيما في قومه واستغنى بالمال (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) أي تتعرض له ، وتقبل عليه بوجهك (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) أي أي شيء يلزمك ان لم يسلم ولم يتطهر من الكفر فإنه ليس عليك إلّا البلاغ (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) أي