الأفق (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) أي وما جمع وضمّ مما كان منتشرا بالنهار في تصرفه ، وذلك ان الليل إذا أقبل أوى كل شيء إلى مأواه (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) أي اذا استوى واجتمع وتكامل وتمّ. قال الفراء : اتساقه امتلاؤه واجتماعه واستواؤه لثلاث عشرة إلى ست عشرة (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) هذا جواب القسم ، أي لتركبن يا محمد سماء بعد سماء تصعد فيها ، ويجوز أن يريد درجة بعد درجة ، ورتبة بعد رتبة في المقربة من الله ، ورفعة المنزلة عنده. ثم قال سبحانه على وجه التقريع لهم والتبكيت (فَما لَهُمْ) عني كفار قريش (لا يُؤْمِنُونَ) بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم والقرآن والمعنى : أيّ شيء لهم إذا لم يؤمنوا؟ وهو استفهام إنكار ، أي لا شيء لهم من النعيم والكرامة إذا لم يؤمنوا وقيل معناه : فما وجه الارتياب الذي يصرفهم عن الإيمان ، وهو تعجب منهم في تركهم الإيمان ، والمراد : أيّ مانع لهم ، وأيّ عذر لهم في ترك الإيمان مع وضوح الدلائل (وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) عطف على قوله : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي ما الذي يصرفهم عن الإيمان وعن السجود لله تعالى إذا تلي عليهم القرآن وقيل معنى لا يسجدون لا يصلون لله تعالى عن عطا والكلبي ؛ وفي خبر مرفوع عن أبي هريرة قال : قرأ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) فسجد ثم قال سبحانه (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ) أي لم يتركوا الإيمان لقصور في البيان ، أو لانقطاع من البرهان ، لكنهم قلدوا أسلافهم ورؤساءهم في التكذيب بالرسول والقرآن (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ) أي يجمعون في صدورهم ، ويضمرون في قلوبهم من التكذيب والشرك ، عن ابن عباس وقتادة ومقاتل وقيل : بما يجمعون من الأعمال الصالحة والسيئة عن ابن زيد. قال الفراء : أصل الإيعاء جعل الشيء في وعاء ، والقلوب أوعية لما يحصل فيها من علم أو جهل ؛ وفي كلام أمير المؤمنين عليهالسلام إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها. ثم قال (فَبَشِّرْهُمْ) يا محمد (بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي اجعل ذلك لهم بدل البشارة للمؤمنين بالرحمة. ثم استثنى سبحانه المؤمنين من جملة المخاطبين فقال (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) أي غير منقوص ولا مقطوع ، لأن نعيم الآخرة غير منقطع عن ابن عباس ، وقيل ؛ غير منقص ولا مكدر بالمنّ. وقيل : ليس لأحد عليها منة فيما يكسب ، وفي قوله سبحانه : فما لهم لا يؤمنون ولا يسجدون. دلالة على ان الإيمان والسجود فعلهم ، لأن الحكيم لا يقول ما لك لا تؤمن ولا تسجد لمن يعلم انه لا يقدر على الإيمان والسجود ، ولو وجد ذلك لم يكن من فعله ، ويدلّ قوله : لا يسجدون على ان الكفار مخاطبون بالعبادات
سورة البروج
مكية آياتها اثنتان وعشرون آية
١ ـ ٢٢ ـ ان الله سبحانه أقسم بالسماء فقال (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) فالبروج : المنازل العالية ، والمراد هنا منازل الشمس والقمر والكواكب ، وهي اثنا عشر برجا يسير القمر في كل برج منها يومين وثلاث ، وتسير الشمس في كل برج شهرا (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) يعني يوم القيامة في قول جميع المفسرين ، وهو اليوم الذي يجازى فيه الخلائق ، ويفصل فيه القضاء (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) الشاهد : يوم الجمعة ، والمشهود : يوم عرفة ، وسمي يوم الجمعة شاهدا لأنه يشهد على كل عامل بما عمل فيه ، وفي الحديث : ما طلعت الشمس على يوم ولا غربت على يوم أفضل منه ، وفيه ساعة لا يوافقها من يدعو فيها الله بخير إلّا استجاب له ، ولا استعاذ من شرّ إلّا أعاذه منه ،