يثبتك على أمرك ويسهل عليك المستصعب من تبليغ الرسالة والصبر عليه عن أبي مسلم وهذا أحسن ما قيل فيه ، فإنه يتصل بقوله : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) ، فكأنّه سبحانه أمره بالتبليغ ، ووعده النصر ، وأمّره بالصبر (فَذَكِّرْ) أمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعث للاعذار والانذار فعليه التذكير في كل حال نفع أو لم ينفع (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) أي سيتعظ بالقرآن من يخشى الله تعالى ويخاف عقابه (وَيَتَجَنَّبُهَا) أي يتجنب الذكرى والموعظة (الْأَشْقَى) أي أشقى العصاة ، فإن للعاصين درجات في الشقاوة فأعظمهم درجة فيها الذي كفر بالله وتوحيده وعبد غيره (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) هي الطبقة السفلى من جهنم (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها) فيستريح (وَلا يَحْيى) حياة ينتفع بها ، بل صارت حياته وبالا عليه يتمنى زوالها لما هو معها من فنون العقاب ، وألوان العذاب (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) أي قد فاز من تطهر من الشرك وقال : لا إله إلا الله (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) أي وحّد الله (بَلْ تُؤْثِرُونَ) أي تختارون (الْحَياةَ الدُّنْيا) على الآخرة فتعملون لها وتعمرونها ولا تتفكرون في أمر الآخرة. ثم رغّب سبحانه في الآخرة فقال (وَالْآخِرَةُ) أي والدار الآخرة وهي الجنة (خَيْرٌ) أي أفضل (وَأَبْقى) وأدوم من الدنيا (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) يعني ان هذا الذي ذكر من قوله : قد أفلح إلى أربع آيات لفي الكتب الأولى التي انزلت قبل القرآن ، ذكر فيها فلاح المصلي والمتزكي ، وإيثار الخلق الدنيا على الآخرة ، وان الآخرة خير. ثم بيّن سبحانه ان الصحف الأولى ما هي فقال (صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) وفي هذا دلالة على ان إبراهيم كان قد أنزل عليه الكتاب خلافا لمن يزعم انه لم ينزل عليه كتاب ؛ وروي عن أبي ذر أنه قال : قلت : يا رسول الله كم الأنبياء فقال : مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألفا ، قلت : يا رسول الله كم المرسلون منهم؟ قال : ثلاثمائة وثلاثة عشر وبقيتهم أنبياء قلت : كان آدم عليهالسلام نبيّا قال : نعم ، كلّمه الله وخلقه بيده ، يا أبا ذر أربعة من الأنبياء عرب : هود وصالح وشعيب ونبيك قلت : يا رسول الله كم أنزل الله من كتاب؟ قال : مائة وأربعة كتب ، أنزل الله منها على آدم عليهالسلام عشر صحف ، وعلى شيث خمسين صحيفة ، وعلى اخنوخ وهو إدريس ثلاثين صحيفة ، وهو أول من خطّ بالقلم ، وعلى إبراهيم عشر صحائف ، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان. وفي الحديث : انه كان في صحف إبراهيم : ينبغي للعاقل أن يكون حافظا للسانه ، عارفا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، وقيل : ان كتب الله كلها أنزلت في شهر رمضان.
سورة الغاشية
مكية وآياتها ست وعشرون آية
١ ـ ٢٦ ـ (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) خطاب للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يريد : قد أتاك حديث يوم القيامة ، لأنها تغشى الناس بأهوالها بغتة وقيل : الغاشية النار تغشى وجوه الكفار بالعذاب ، وهذا كقوله (تَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) أي ذليلة بالعذاب الذي يغشاها ، والشدائد التي تشاهدها ؛ والمراد بذلك أرباب الوجوه وإنما ذكر الوجوه لأن الذل والخضوع يظهر فيها وقيل : المراد بالوجوه الكبراء تقول : جاءني وجوه بني تميم ، أي ساداتهم وقيل : عنى به وجوه الكفار كلهم لأنها تكبرت عن عبادة الله تعالى (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) في الدنيا يعملون وينصبون ويتعبون على خلاف ما