أمرهم الله تعالى به وهم الرهبان وأصحاب الصوامع ، وأهل البدع والآراء الباطلة ، لا يقبل الله أعمالهم في البدعة والضلالة ، وتصير هباء لا يثابون عليها (تَصْلى ناراً حامِيَةً) قال ابن عباس : قد حميت فهي تتلظى على أعداء الله (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) أي وتسقى أيضا من عين حارة قد بلغت اناها ، وانتهت حرارتها. قال الحسن : قد أوقدت عليها جهنم مذ خلقت فدفعوا إليها وردا عطاشا هذا شرابهم ، ثم ذكر طعامهم فقال (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) وهو نوع من الشوك ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الضريع شيء يكون في النار يشبه الشوك ، أمرّ من الصبر ، وأنتن من الجيفة ، وأشدّ حرّا من النار ، سمّاه الله الضريع (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) أي لا يدفع جوعا ، ولا يسمن احدا. ثم وصف سبحانه أهل الجنة فقال (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) أي منعمة في أنواع اللذات ، ظاهر عليها أثر النعمة والسرور ، ومضيئة مشرقة (لِسَعْيِها) في الدنيا (راضِيَةٌ) حين اعطيت الجنة بعملها والمعنى : لثواب سعيها وعملها من الطاعات راضية ؛ يريد انه لما ظهر نفع أعمالهم ، وجزاء عبادتهم رضوه وحمدوه (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) أي مرتفعة القصور والدرجات (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) أي كلمة ساقطة لا فائدة فيها (فِيها) أي في تلك الجنة (عَيْنٌ جارِيَةٌ) قيل : انه اسم جنس ولكل انسان في قصره من الجنة عين جارية من كل شراب يشتهيه (فِيها) أي في تلك الجنة (سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) قال ابن عباس : ألواحها من ذهب مكلّلة بالزبرجد والدّر والياقوت ، مرتفعة ما لم يجىء أهلها ؛ فإذا أراد أن يجلس عليها تواضعت له حتى يجلس عليها ثم ترتفع إلى موضعها (وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) على حافات العيون الجارية كلما أراد المؤمن شربها وجدها مملوءة ، وهي الأبارق ليس لها خراطيم ولا عرى تتخذ للشراب (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) أي وسائد يتصل بعضها ببعض على هيئة مجالس الملوك في الدنيا (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) وهي البسط الفاخرة ، والطنافس المخملة والمبثوثة : المبسوطة المنشورة (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) وكانت الإبل عيشا من عيشهم فيقول : أفلا يتفكرون فيها وما يخرج الله من ضروعها من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين (وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) أي كيف رفعها الله فوق الأرض ، وجعل بينهما هذا الفضاء الذي به قوام الخلق وحياتهم ، ثم إلى ما خلقه فيها من بدائع الخلق من الشمس والقمر والكواكب ، وعلّق بها منافع الخلق وأسباب معايشهم (وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) أي أو لا يتفكرون في خلق الله سبحانه الجبال أوتادا للأرض ، ومسكنة لها ، وانه لولاها لمادت الأرض بأهلها (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) أي كيف بسطها الله ووسعها ولولا ذلك لما صحّ الاستقرار عليها ، والانتفاع بها (فَذَكِّرْ) يا محمد والتذكير : التعريف للذكر بالبيان الذي يقع به الفهم (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) لهم بنعم الله تعالى عندهم ، وبما يجب عليهم في مقابلتها من الشكر والعبادة (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) معناه : لست عليهم بمتسلط تسليطا يمكّنك ان تدخل الإيمان في قلوبهم وتجبرهم عليه ، وإنما الواجب عليك الانذار ، فاصبر على الانذار والتبليغ والدعوة إلى الحق (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) أي اعرض عن الذكر ولم يقبل منك ، وكفر بالله وبما جئت به ، فكل أمره إلى الله (فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) وهو الخلود في النار ولا عذاب أعظم منها (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) أي مرجعهم ومصيرهم بعد الموت (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) أي جزاءهم على أعمالهم.
سورة الفجر
مكية وآياتها ثلاثون آية