فَتَرْضى) معناه : وسيعطيك ربك في الآخرة من الشفاعة والحوض وسائر أنواع الكرامة فيك وفي أمتك ما ترضى به. ثمّ عدّد سبحانه عليه نعمه في دار الدنيا فقال (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) معناه : انه تقرير لنعمة الله عليه حين مات أبوه وبقي يتيما فآواه الله بأن سخر له أولا عبد المطلب ، ثم لما مات عبد المطلب قيّض له أبا طالب وسخّره للاشفاق عليه ، وحبّبه إليه حتى كان أحبّ إليه من اولاده فكفّله وربّاه ، واليتيم : من لا أب له ، ثم ذكر نعمة اخرى فقال (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) معناه : وجدك ضالا عما أنت عليه الآن من النبوة والشريعة ، أي كنت غافلا عنهما فهداك إليهما ونظيره : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) وقوله : (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) ، فمعنى الضلال على هذا هو الذهاب عن العلم مثل قوله ؛ (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) (وَوَجَدَكَ عائِلاً) أي فقيرا لا مال لك (فَأَغْنى) أي فأغناك بمال خديجة وقيل : فأغناك بالقناعة ، ورضاك بما أعطاك ، لم يكن غنيا عن كثرة المال لكن الله سبحانه أرضاه بما آتاه من الرزق وذلك حقيقة الغنى. ثم أوصاه سبحانه باليتامى والفقراء فقال (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) أي فلا تقهره على ماله فتذهب بحقه لضعفه كما كانت تفعل العرب في أمر اليتامى (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) أي لا تنهر السائل ولا تردّه إذا أتاك يسألك فقد كنت فقيرا ، فإما ان تطعمه ، واما أن تردّه ردّا لينا. وقال الجبائي : المراد به جميع المكلفين وان كان الخطاب للنّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) معناه : اذكر نعمة الله واظهرها ، وحدّث بها ، والتحدث بنعمة الله شكر ، وتركه كفر.
سورة الانشراح
مكية وآياتها ثمان آيات
١ ـ ٨ ـ ثمّ أتمّ سبحانه تعداد نعمه على نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) المعنى : ألم نفتح لك صدرك ، ونوسع قلبك بالنبوة والعلم حتى قمت بأداء الرسالة ، وصبرت على المكاره واحتمال الأذى ، واطمأننت إلى الإيمان فلم تضق به ذرعا (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) أي وحططنا عنك وزرك (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) أي أثقله ، المراد به تخفيف أعباء النبوة التي تثقل الظهر من القيام بأمرها ، سهّل الله ذلك عليه حتى تيسر له ، ومنّ عليه بذلك. قال المرتضى قدّس الله روحه : انما سميت الذنوب بأنها اوزارا لأنها تثقل كاسبها وحاملها ، فكلّ شيء أثقل الإنسان وغمّه وكدّه جاز ان يسمى وزرا ، فلا يمتنع أن يكون الوزر في الآية انما أراد به غمه صلىاللهعليهوآلهوسلم بما كان عليه قومه من الشرك ، وانه وأصحابه بينهم مقهور مستضعف ، فلما أعلى الله كلمته ، وشرح صدره ؛ وبسط يده ، خاطبه بهذا الخطاب تذكيرا له بمواقع النعمة ليقابله بالشكر ، ويؤيّده ما بعده من الآيات فإن اليسر بإزالة الهموم أشبه ، والعسر بالشدائد والغموم أشبه (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) أي قرنا ذكرك بذكرنا حتى لا أذكر إلّا وتذكر معي ، يعني في الأذان والإقامة والتشهّد والخطبة على المنابر. ثم وعد سبحانه اليسر والرخاء بعد الشدة وذلك انه كان بمكة في شدة قال (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) معناه : ان مع الشدّة التي أنت فيها من مزاولة المشركين يسرا ورخاء بأن يظهرك الله عليهم حتى ينقادوا للحق الذي جئتهم به طوعا أو كرها ، ثم كرّر ذلك فقال (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) روى عطاء عن إبن عباس قال : يقول الله تعالى : خلقت عسرا واحدا وخلقت يسرين ، فلن يغلب عسر يسرين (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) معناه : فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء ، وارغب إليه في المسألة يعطك. ومعنى