انصب : من النصب وهو التعب ، أي لا تشتغل بالراحة.
سورة التين
مكية وآياتها ثمان آيات
١ ـ ٨ ـ (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) أقسم الله سبحانه بالتين الذي يؤكل ، والزيتون الذي يعصر منه الزيت ، وانما اقسم بالتين لأنه فاكهة مخلصة من شائب التنغيص ، وفيه أعظم عبرة لأنه عزّ اسمه جعلها على مقدار اللقمة ، وهيّأها على تلك الصفة (وَطُورِ سِينِينَ) يعني الجبل الذي كلّم الله عليه موسى ، وسينين وسيناء واحد (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) يعني مكة البلد الحرام يأمن فيه الخائف في الجاهلية والإسلام (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) هذا جواب القسم واراد جنس الإنسان وهو آدم وذريته خلقهم الله في أحسن صورة ، أي منتصب القامة وسائر الحيوان مكب على وجهه إلّا الانسان عن ابن عباس وقيل : أراد انه خلقهم على كمال في أنفسهم ، واعتدال في جوارحهم ، وابانهم عن غيرهم بالنطق والتمييز والتدبير إلى غير ذلك مما يختص به الانسان (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) يريد إلى الخرف وأرذل العمر والهرم ونقصان العقل. والسافلون : هم الضعفاء والزمنى والاطفال ، والشيخ الكبير أسفل هؤلاء جميعا. ثم استثنى فقال (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا بالله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي أخلصوا العبادة لله وأضافوا إلى ذلك الأعمال الصالحة (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) من ردّ منهم إلى أرذل العمر كتب له صالح ما كان يعمل في شبابه وذلك أجر غير ممنون. وعن ابن عباس قال : ومن قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر وذلك قوله : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) قال : الا الذين قرأوا القرآن وفي الحديث عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : المولود حتى يبلغ الحنث ما عمل من حسنة كتب لوالديه ، فإن عمل سيئة لم تكتب عليه ولا على والديه ، فإذا بلغ الحنث وجرى عليه القلم أمر الله الملكين اللذين معه يحفظانه ويسددانه ، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام آمنه الله من البلايا الثلاث : الجنون والجذام والبرص ، فإذا بلغ خمسين خفف الله حسابه ، فإذا بلغ ستين رزقه الإنابة إليه فيما يجب ، فإذا بلغ سبعين احبه أهل السماء ، فإذا بلغ ثمانين كتب الله حسناته وتجاوز عن سيئاته ، فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وشفعه في أهل بيته ، وكان اسمه أسير الله في الأرض ، فإذا بلغ أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا كتب الله له بمثل ما كان يعمل في صحته من الخير ، وان عمل سيئة لم تكتب عليه وأقول : لو صحّ الخبر فإنما لا تكتب عليه السيئة لزوال عقله ونقصان تمييزه في ذلك الوقت وقوله (غَيْرُ مَمْنُونٍ) أي غير منقوص (فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) معناه : أيّ شيء يكذبك أيها الإنسان بعد هذه الحجج بالدين الذي هو الجزاء والحساب؟ والمراد : ما يحملك على ان لا تتفكر في صورتك وشبابك وهرمك فتعتبر وتقول : ان الذي فعل ذلك قادر على ان يبعثني ويحاسبني ويجازيني بعملي ، فيكون قوله : فما يكذبك يعني به ما الذي يجعلك تكذب؟ (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) هذا تقرير للإنسان على الاعتراف بأنه تعالى أحكم الحاكمين في صنائعه وأفعاله ، وانه لا خلل في شيء منها ولا اضطراب ، فكيف يترك هذه الخلائق ويهملهم فلا يجازيهم.
سورة العلق
مكية وآياتها تسع عشرة آية