يسمّونه سوءا وقال سبحانه على وجه التذكير والوعيد (أَفَلا يَعْلَمُ) هذا الإنسان الذي وصفناه (إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) أي بعث الموتى ونشروا واخرجوا (وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) أي ميّزوا بين ما فيها من الخير والشر وقيل معناه : وأظهر ما أخفته الصدور ليجازي على السرّ كما يجازي على العلانية (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) قال الزجاج : الله سبحانه خبير بهم في ذلك اليوم وفي غيره ولكن المعنى : أن الله يجازيهم على كفرهم في ذلك اليوم بعلمه بأحوالهم وأعمالهم ومثله قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ) ومعناه : أولئك الذين لا يترك الله مجازاتهم ؛ وفي هذا إشارة إلى الزجر والوعيد فإن الإنسان متى علم أن خالقه يرى جميع أعماله ، ويعلم سائر أفعاله ، ويحقق ذلك لا بدّ أن ينزجر عن المعاصي.
سورة القارعة
مكية وآياتها إحدى عشرة آية
اتصلت هذه السورة بما قبلها اتصال النظير ، فإن كلتيهما في ذكر القيامة ، فقال سبحانه :
١ ـ ١١ ـ (الْقارِعَةُ) اسم من أسماء يوم القيامة لأنها تقرع القلوب بالفزع ، وتقرع أعداء الله بالعذاب (مَا الْقارِعَةُ) هذا تعظيم لشأنها ، وتهويل لأمرها ومعناه : وأيّ شيء القارعة ، ثم عجّب نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) يقول انك يا محمد لا تعلم حقيقة أمرها ، وكنه وصفها على التفصيل ، وإنما تعلمها على سبيل الإجمال. ثم بيّن سبحانه أنها متى تكون فقال (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) شبّه الناس عند البعث بما يتهافت في النار ، وقال قتادة : هذا هو الطائر الذي يتساقط في النار والسراج ، ليس بذباب ولا بعوض لأنهم إذا بعثوا ماج بعضهم إلى بعض فالفراش إذا ثار لم يتجه إلى جهة واحدة فدلّ ذلك على أنهم يفزعون عند البعث فيختلفون في المقاصد على جهات مختلفة ، وهذا مثل قوله : كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) وهو الصوف المصبوغ المندوف والمعنى : ان الجبال تزول عن أماكنها وتصير خفيفة السير. ثم ذكر سبحانه أحوال الناس فقال (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) أي رجحت حسناته ، وكثرت خيراته (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) أي معيشة ذات رضى يرضاها صاحبها (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) أي خفّت حسناته ، وقلّت طاعاته. والقول في حقيقة الوزن والميزان والاختلاف في ذلك قد مضى ذكره فيما سبق من الكتاب ، وقد ذكر سبحانه الحسنات في الموضعين ولم يذكر وزن السيئات لأن الوزن عبارة عن القدر والخطر ، والسيئة لا خطر لها ولا قدر ، وإنما الخطر والقدر للحسنات ، فكأن المعنى : فأما من عظم قدره عند الله لكثرة حسناته ، ومن خفّ قدره عند الله لخفة حسناته (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) أي فمأواه جهنم ومسكنه النار ، وإنما سمّاها أمه لأنه يأوي إليها كما يأوي الولد إلى أمه ، ولأن الأصل السكون إلى الأمهات قال قتادة هي كلمة عربية كان الرجل إذا وقع في أمر شديد قيل هوت أمه : وقيل : إنما قال (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) لأن العاصي يهوي إلى أمّ رأسه في النار عن أبي صالح وقيل : انه يهوي فيها وهي المهواة لا يدرك قعرها. ثم قال سبحانه : (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ) هذا تعظيم
__________________
قال الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام : نور لمن استضاء به ، وشاهد لمن خاصم به ، وفلج لمن حاجّ به (الفلج : الظفر والفوز ، وأفلج الله حجّته : أي أظهرها) ، وعلم لمن وعى ، وحكم لمن قضى.
١ ـ الفلج : المصفر والفوز ، وافلح الله حجته : اي اظهرها.