الوقتين وقيل : أقسم بصلاة العصر وهي الصلاة الوسطى عن مقاتل وقيل : هو الليل والنهار ويقال لهما : العصران عن ابن كيسان (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) هذا جواب القسم ، والإنسان : اسم الجنس ، والمعنى : انه لفي نقصان لأنه ينقص عمره كل يوم وهو رأس ماله ، فإذا ذهب رأس ماله ولم يكتسب به الطاعة يكون على نقصان طول دهره وخسران ، إذ لا خسران أعظم من استحقاق العقاب الدائم وقيل : (لَفِي خُسْرٍ) أي في هلكة (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) استثنى من جملة الناس المؤمنين المصدّقين بتوحيد الله ، العاملين بطاعة الله (وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) أي وصّى بعضهم بعضا باتباع الحق ، واجتناب الباطل (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) أي وصّى بعضهم بعضا بالصبر على تحمل المشاق في طاعة الله ، وبالصبر عن معاصي الله ، أي فإن هؤلاء ليسوا في خسر ، بل هم في أعظم ربح وزيادة ، يربحون الثواب باكتساب الطاعات وإنفاق العمر فيها ، فكأن رأس مالهم باق ، كما ان التاجر إذا خرج رأس المال من يده وربح عليه لم يعدّ ذلك ذهابا. وفي هذه السورة أعظم دلالة على إعجاز القرآن ألا ترى أنها مع قلة حروفها تدل على جميع ما يحتاج الناس إليه في الدين علما وعملا ، وفي وجوب التواصي بالحق والصبر إشارة إلى الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والدعاء إلى التوحيد والعدل ، وأداء الواجبات ، والاجتناب عن المقبحات.
سورة الهمزة
مكية وآياتها تسع آيات
١ ـ ٩ ـ (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) هذا وعيد من الله سبحانه لكل مغتاب عياب مشاء بالنميمة ، مفرّق بين الأحبة عن ابن عباس ، وعنه أيضا قال : الهمزة : الطعان ، واللمزة : المغتاب وقيل : الهمزة : المغتاب ، واللمزة الطعان ، عن سعيد بن جبير وقتادة ، وقيل : الهمزة : الذي يطعن في الوجه بالعيب ، واللمزة : الذي يغتاب عند الغيبة ، عن الحسن وأبي العالية وعطاء بن أبي رباح ، وقيل : الهمزة : الذي يهمز الناس بيده ويضربهم ، واللمزة : الذي يلمزهم بلسانه وبعينه (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) جمع مالا من غير حلّه ، ومنعه من حقه ، وأعدّه ذخرا لنوائب دهره ، قيل نزلت في الأخنس الثقفي. ثم ذكر سبحانه طول أمله فقال (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) أي يظنّ أن ماله الذي جمعه يخلده في الدنيا ، ويمنعه من الموت. ثم قال سبحانه (كَلَّا) أي لا يخلده ماله ولا يبقى له (لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) أي ليقذفن ويطرحن من وصفناه في الحطمة ، وهي اسم من أسماء جهنم. قال مقاتل : وهي تحطم العظام وتأكل اللحوم حتى تهجم على القلوب. ثم قال سبحانه (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) تفخيما لأمرها. ثم فسّرها بقوله (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) أي المؤججة ، أضافها سبحانه إلى نفسه ليعلم أنها ليست كسائر النيران. ثم وصفها بالإيقاد على الدوام (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) أي تشرف على القلوب فيبلغها ألمها وحريقها (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) يعني انها على أهلها مطبقة ، يطبق أبوابها عليهم تأكيدا للاياس عن الخروج (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) وهي جمع عمود ، وهي أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار ، وقال مقاتل : أطبقت الأبواب عليهم ثم شدّت بأوتاد من حديد من نار حتى يرجع إليهم غمّها وحرّها فلا يفتح عليهم باب ، ولا يدخل عليهم روح وقال الحسن : يعني عمد السرداق في قوله : (أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) ، فإذا مدّت تلك العمد أطبقت جهنم على أهلها ، نعوذ بالله منها وقال الكلبي في عمد : مثل السواري ممددة مطولة تمد عليهم ، وقال ابن عباس هم في عمد : أي في اغلال في أعناقهم يعذبون بها. وعن أبي جعفر عليهالسلام قال : ان الكفار والمشركين يعيرون أهل التوحيد في النار ويقولون : ما نرى توحيدكم أغنى عنكم شيئا