سورة الإسراء
مكية ، إلا قوله : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ...) الآيات الثمان. وهى : مائة وعشر آيات. وكأنّ وجه المناسبة لما قبله قوله : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) (١) ، إشارة إلى أن من اتقى الله ، وحصّل مقام الإحسان ، أسرى بروحه إلى عالم الملكوت وأسرار الجبروت. وافتتح السورة بالتنزيه ، لئلا يتوهم الجهال أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ عرج به للقاء الحق تعالى فى جهة مخصوصة ، فنزه الحقّ تعالى نفسه ، فى افتتاح سورة الإسراء ؛ دفعا لهذا الإيهام ، فقال :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١))
قلت : (سُبْحانَ) : مصدر غير متصرف ، منصوب بفعل واجب الحذف ، أي : أسبح سبحان. وهو بمعنى التسبيح ، أي : التنزيه ، وقد يستعمل علما له ، فيقطع عن الإضافة ويمنع الصرف ، كقول الشاعر :
قد أقول لمّا جاءنى فخره |
|
سبحان من علقمة الفاخر (٢) |
و (لَيْلاً) : منصوب على الظرفية لأسرى. وفائدة ذكره ، مع أن السرى هو السير بالليل ، ليفيد التقليل ، ولذلك نكّره ، كأنه قال : أسرى بعبده مسيرة أربعين ليلة فى بعض الليل ، وذلك أبلغ فى المعجزة. ويقال : أسرى وسرى ، رباعيا وثلاثيا.
يقول الحق جل جلاله : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) وهو : نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ، أي : تنزيها له عن الأماكن والحدود والجهات ، إذ هو أقرب من كل شىء إلى كل شىء. وإنما وقع الإسراء برسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ ليقتبس أهل العالم العلوي ، كما اقتبس منه أهل العالم السفلي ، فأسرى به (لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) بعينه ؛ لما روى أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال : «بينما أنا فى المسجد الحرام فى الحجر ، عند البيت ، بين النّائم واليقظان ، إذ أتانى جبريل بالبراق» (٣).
__________________
(١) من الآية ١٢٨ من سورة النحل.
(٢) البيت للأعشى. انظر ديوانه ، ص ٩٣ ، ولسان العرب (سبح).
(٣) أخرجه بطوله البخاري فى مواضع ، منها : (مناقب الأنصار ، باب المعراج) ، ومسلم فى (الإيمان ، باب الإسراء) ، من حديث أنس ابن مالك عن مالك بن صعصعة.