سورة الكهف
مكية. وهى مائة وإحدى عشرة آية ، أو خمس عشرة. ووجه المناسبة لما قبلها : أنه لمّا أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم بالحمد لله على كمال تنزيهه ، أخبر أنه يستحق ذلك لإنعامه بأجلّ النعم ، وهو إنزال الكتاب العزيز ، الذي هو سبب الهداية الموصلة إلى النعيم المقيم. أو تكون تتميما لقوله : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ ...) (١) إلخ.
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً (٤) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (٥))
قلت : (قَيِّماً) : حال من الكتاب ، والعامل فيه : (أَنْزَلَ) ، ومنعه الزمخشري ؛ للفصل بين الحال وذى الحال ، واختار أن العامل فيه مضمر ، تقديره : جعله قيّما ، و (لِيُنْذِرَ) : يتعلق بأنزل ، أو بقيّما. والفاعل : ضمير الكتاب ، أو النبي صلىاللهعليهوسلم ، ؛ و (بَأْساً) : مفعول ثان ، وحذف الأول ، أي : لينذر الناس بأسا ، كما حذف الثاني من قوله : (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا ...) إلخ ؛ لدلالة هذا عليه ، و (مِنْ عِلْمٍ) : مبتدأ مجرور بحرف زائد ، أو فاعل بالمجرور ؛ لاعتماده على النفي ، و (كَلِمَةً) : تمييز.
يقول الحق جل جلاله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي : الثناء الجميل حاصل لله ، والمراد : الإعلام بذلك ؛ للإيمان به ، أو الثناء على نفسه ، أو هما معا. ثم ذكر وجه استحقاقه له ، فقال : (الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) أي : الكتاب الكامل المعروف بذلك من بين سائر الكتب ، الحقيق باختصاص اسم الكتاب ، وهو جميع القرآن. رتّب استحقاق الحمد على إنزاله ؛ تنبيها على أنه أعظم نعمائه ، وذلك لأنه الهادي إلى ما فيه كمال العباد ، والداعي إلى ما به ينتظم صلاح المعاش والمعاد.
وفى التعبير عن الرسول صلىاللهعليهوسلم بالعبد ، مضافا إلى ضمير الجلالة تنبيه على بلوغه صلىاللهعليهوسلم إلى معاريج العبادة وكمال العبودية أقصى غاية الكمال ، حيث كان فانيا عن حظوظه ، قائما بحقوقه ، خالصا فى عبوديته لربه.
__________________
(١) الآية ١٠٦ من سورة الإسراء.