ما عداها أولى ، وإما لأن الإنفاق فى عمارتها أكثر. (وَيَقُولُ) أي : يقلب وهو يقول : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً) ، كأنه تذكر موعظة أخيه ، وعلم أنه إنما أتى من قبل شركه ، فتمنى أن لم يكن مشركا فلم يصبه ما أصابه.
(وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ) : جماعة (يَنْصُرُونَهُ) : يقدرون على نصره ؛ بدفع الهلاك عن أمواله ، (مِنْ دُونِ اللهِ) ، فإنه القادر على ذلك وحده ، (وَما كانَ مُنْتَصِراً) أي : وما كان فى نفسه ممنوعا بقوته من انتقامه سبحانه منه.
(هُنالِكَ) ؛ فى ذلك المقام ، وفى تلك الحال (الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ) أي : النصرة له وحده ، لا يقدر عليها أحد غيره ، وقرئ : «الحق» ؛ بالكسر ، صفة لله ، وبالرفع ، نعت للولاية. ويحتمل أن يكون : (هُنالِكَ) ظرفا لمنتصرا ، أي : وما كان ممتنعا من انتقام الله منه فى ذلك الوقت ، ففيه تنبيه على أن قوله : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ) : كان عن اضطرار وجزع مما دهاه ، فلذلك لم ينفعه ، كقوله تعالى : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) (١). وحينئذ استأنف تعالى الإخبار عن كمال حفظه لأوليائه فقال : (الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ) أي : الحفظ والرعاية والنصرة إنما هى من الله لأوليائه فى الدنيا والآخرة ، لا يخذلهم فى حال من الأحوال ، بل يتولى سياستهم ونصرهم وهدايتهم ، كما هو شأن من اعتز بالله ، دون من اعتز بغيره ، فقوله : (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ) : رد لقوله : (وَأَعَزُّ نَفَراً) ؛ أي : بل النصرة لله لأوليائه ، دون من تولى غيره.
والحاصل : أن من تولى الله فعاقبته النصرة ، ومن تولى غيره فعاقبته الخذلان. والعياذ بالله. ويحتمل أن يكون قد تم الكلام على القصة ، ثم أعاد الكلام إلى ما قبل القصة ، فقال : (هُنالِكَ) عند ذلك ، يعنى : يوم القيامة (الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ) ؛ يتولون الله ويؤمنون به ، ويتبرأون مما كانوا يعبدون ، (هُوَ خَيْرٌ ثَواباً) أي : خير من يرجى ثوابه ، (وَخَيْرٌ عُقْباً) أي : عاقبة لأوليائه. والعقب : العاقبة ، يقال : عاقبة كذا وعقباه وعقبه ، أي : آخره. والله تعالى أعلم.
الإشارة : قد ضرب الله مثلا لمن عكف على هواه ، وقصر همته على زخارف دنياه ، ولمن توجه بهمته إلى مولاه ، وقدّم دنياه لأخراه ، فكان عاقبة الأول : الندم والخسران ، وعاقبة الثاني : الهنا والرضوان ، أو لمن وقف مع علمه واعتمد عليه ، ولمن تبرأ من حوله وقوته فى طلب الوصول إليه.
قال فى لطائف المنن : لا تدخل جنة علمك وعملك ، وما أعطيت من نور وفتح فتقول كما قال من خذل ، فأخبر الله عنه بقوله : (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً ...) الآية. ولكن أدخلها كما بيّن
__________________
(١) من الآية ٨٥ من سورة غافر.