سورة مريم
مكية ـ وهى ثمان وتسعون آية. والمقصود من السورة الرد على النصارى فى إشراكهم عيسى عليهالسلام لله تعالى فى ألوهيته ، فهى كالتتميم لقوله : (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (١).
قال تعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كهيعص (١))
قيل : هى مختصرة من أسماء الله تعالى ، فالكاف من كاف ، والهاء من هاد ، والياء من يمين ، والعين من عليم أو عزيز ، والصاد من صادق. قاله الهروي عن ابن جبير.
قال أبو الهيثم : جعل الياء من يمين ، من قولك : يمن الله الإنسان ييمنه يمنا فهو ميمون. ه. ولذا ورد الدعاء بها ، فقد روى عن علىّ ـ كرم الله وجهه ـ أنه كان يقول : (يا كهيعص ؛ أعوذ بك من الذنوب التي توجب النقم ، وأعوذ بك من الذنوب التي تغير النعم ، وأعوذ بك من الذنوب التي تهتك العصم ، وأعوذ بك من الذنوب التي تحبس غيث السماء ، وأعوذ بك من الذنوب التي تديل الأعداء ، انصرنا على من ظلمنا) (٢). كان يقدم هذه الكلمات بين يدى كل شدة. فيحتمل أن يكون توسل بالأسماء المختصرة من هذه الحروف ، أو تكون الجملة ، عنده ، اسما واحدا من أسماء الله تعالى ، وقيل : هو اسم الله الأعظم. ويحتمل أن يشير بهذه الرموز إلى معاملته تعالى مع أحبائه ، فالكاف كفايته لهم ، والهاء هدايته إياهم إلى طريق الوصول إلى حضرته ، والياء يمنه وبركته عليهم وعلى من تعلق بهم ، والعين عنايته بهم فى سابق علمه ، والصاد صدقه فيما وعدهم به من الإتحاف والإكرام. والله تعالى أعلم.
وقيل : هى مختصرة من أسماء الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أي : يا كافى ، يا هادى ، يا ميمون ، يا عين العيون ، أنت صادق مصدق. وعن ماضى بن سلطان تلميذ أبى الحسن الشاذلى ـ رضى الله عنهما ـ : [أنه رأى فى منامه أنه اختلف مع بعض الفقهاء فى تفسير قوله : (كهيعص حم* عسق) ، فقلت : هى أسرار بين الله تعالى وبين رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وكأنه قال : «كاف» ؛ أنت كهف الوجود ، الذي يؤم إليه كلّ موجود ، «ها» ؛ هبنا لك الملك ، وهيأنا لك الملكوت ، «يع» ؛ يا عين العيون ، «ص» ؛ صفات الله (من يطع الرسول فقد أطاع الله) ، «حاء» ؛ حببناك ، «ميم»
__________________
(١) من الآية ١١٠ من سورة الكهف.
(٢) أخرجه بنحوه الإمام أحمد فى المسند (١ / ١١٢).