أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٦))
قلت : قال القشيري : أجرى الله [سنته] (١) فى كتابه أن يذكر قصة موسى فى أكثر المواضع التي يذكر فيها حديث نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ يتبعه بذكر موسى ، تنبيها على علو شأنه ، لأنه كما أن التخصيص بالذكر يدل على شرف المذكور ، فالتكرير فى التفصيل يوجب التفضيل فى الوصف ؛ لأن القضية الواحدة إذا أعيدت مرارا كثيرة كانت فى باب البلاغة أتم ، ولا سيما فى كل مرة فائدة زائدة. ه.
قلت : ولعل وجه تناسقهما فى الذكر قرب المنزلة ، ومشاركة الصفة ، وذلك باعتبار المعالجة وهداية الأمة ، فإن أمة موسى عليهالسلام كانت انتشرت فلم يقع لنبى هداية على يديه لقومه مثله ، إلا لنبينا ـ عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ـ فإن أمته انتشرت وشاعت مسير الشمس والقمر ، وفى حديث البخاري ما يدل على هذا ، حين عرضت عليه الأمم صلىاللهعليهوسلم مرة ، فرأى أمة موسى عليهالسلام كثيرة ، ثم رأى أمته قد سدت الأفق. فانظر لفظه فيه (٢).
وقال أبو السعود : المناسبة إنما هى تقرير أمر التوحيد الذي إليه انتهى مساق الحديث ، وبيان أنه مستمر فيما بين الأنبياء ، كابرا عن كابر ، وقد خوطب به موسى عليهالسلام ، حيث قيل له : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي) ، وبه ختم عليهالسلام مقاله ، حيث قال : (إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) (٣) ، ثم ردّ مناسبة التسلية بأن مساق النظم الكريم إنما هو لصرفه عليهالسلام عن اقتحام المشاق. فانظره.
و (هَلْ) : لفظة استفهام ، والمراد به التشويق لما يخبره به ، أو التنبيه. و (إِذْ رَأى) : ظرف للحديث ؛ لأن فيه معنى الفعل ، أو لمضمر مؤخر ، أي : حين رأى كان كيت وكيت ، أو : لاذكر ، أي : اذكر وقت رؤيته .. إلخ.
يقول الحق جل جلاله : (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) أي : قصته فى معالجة فرعون ، فإنا سنذكرها لك تسلية وتقريرا لأمر التوحيد ، (إِذْ رَأى ناراً) تلمع فى الوادي ، وذلك أنه عليهالسلام استأذن شعيبا عليهالسلام فى
__________________
(١) ما بين المعكوفتين زيادة ليست فى الأصول.
(٢) قال ابن عباس رضي الله عنه : خرح علينا النبي صلىاللهعليهوسلم يوما ، فقال : عرضت علىّ الأمم ، فجعل يمر النبي معه الرجلان ، والنبي معه الرهط ، والنبي ليس معه أحد ، ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق ، فرجوت أن تكون أمتى. فقيل : هذا موسى وقومه. ثم قيل لى : انظر ، فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق ، فقيل لى : انظر هكذا وهكذا ، فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق ، فقيل : هؤلاء أمتك ، ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ...» الحديث أخرجه البخاري فى (الطب ، باب من لم يرق)
(٣) من الآية ٩٨ من سورة طه.