سورة الأنبياء
مكية. وهى مائة واثنتا عشرة آية. ومناسبتها لما قبلها : قوله تعالى : (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِ) (١) ؛ لأن علم ذلك إنما يظهر ، حقيقة ، يوم الحساب الذي صدّر به السورة ، فقال تعالى :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ...)
قلت : (وَهُمْ) : مبتدأ ، و (فِي غَفْلَةٍ) : خبر ، و (مُعْرِضُونَ) : خبر بعد خبر ، والجملة : حال من الناس. و (مِنْ ذِكْرٍ) : فاعل بيأتي. و (مِنْ) : صلة ، و (مِنْ رَبِّهِمْ) : صفة لذكر ، أي : حاصل من ربهم ، أو متعلق بيأتيهم ، أو صفة لذكر ، وجملة (اسْتَمَعُوهُ) : حال من مفعول (يَأْتِيهِمْ) ، بإضمار (قد) أو بدونه ، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال. و (هُمْ يَلْعَبُونَ) : حال أيضا من فاعل (اسْتَمَعُوهُ) ، و (لاهِيَةً) : حال من واو (يَلْعَبُونَ) ، و (قُلُوبُهُمْ) : فاعل بلاهية.
يقول الحق جل جلاله : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) أي : قرب قيام الساعة التي هى محل حسابهم. قال ابن عباس : «المراد بالناس : المشركون» وهو الذي يفصح عنه ما بعده ، ولم يقل تعالى : «اقترب حساب الناس» ، بل قدّم لام الجر على الفاعل ؛ للمسارعة إلى إدخال الروعة ، فإن نسبة الاقتراب إليهم من أول الأمر مما يسوؤهم ويورثهم رهبة وانزعاجا ، كما أن تقديم اللام فى قوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ؛ (٢) لتعجيل المسرة ؛ لأن كون الخلق لأجل المخاطبين مما يسرهم ويزيدهم رغبة وشوقا إليه تعالى.
وفى إسناد الاقتراب إلى الحساب المنبئ عن التوجه نحوهم ، مع صحة إسناد الاقتراب إليهم بأن يتوجهوا نحوه ، من تفخيم شأنه ، وتهويل أمره ، مالا يخفى ، لما فيه من تصويره بشىء مقبل عليهم ، لا يزال يطلبهم حتى يصيبهم لا محالة. ومعنى اقترابه : دنوه منهم شيئا فشيئا حتى يلحقهم ؛ لأن كل آت قريب ، أي : دنا حساب أعمالهم السيئة الموجبة للعقاب.
(وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) تامة منه ، ساهون بالمرة عنه ، غير ذاكرين له ، لا أنهم غير مبالين به ، مع اعترافهم بإتيانه ، بل هم منكرون له ، كافرون به ، (مُعْرِضُونَ) عن الآيات والنذر المنبهة لهم عن سنة الغفلة. (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ)
__________________
(١) من الآية ١٣٥ من سورة طه.
(٢) من الآية ٢٩ من سورة البقرة.