سورة الرّعد
مكية إلى قوله : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) ، والباقي مدنى ، وقيل : مدنية كلها. وآيها : خمس وأربعون. ومناسبتها لما قبلها : قوله : (ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى) ، مع قوله (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) ؛ فإنه كالدليل على كونه غير مفترى.
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* المر ...).
قيل : معناه : أنا أعلم ، الله أعلم وأرى. وقيل : مختصرة من لفظ المرسل ، على عادة رمز المحبين. أو إشارة إلى العوالم الأربعة : فالألف لوحدة الجبروت ، واللام لتدفق أنوار الملكوت ، والميم لحس عالم الملك ، والراء لسريان أمداد الرحموت.
قال تعالی : (المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١))
قلت : (تِلْكَ) : مبتدأ ، و (آياتُ) : خبر ، و (الَّذِي أُنْزِلَ) : مبتدأ ، و (الْحَقُ) : خبر ، والجملة الثانية كالحجة على الجملة الأولى.
يقول الحق جل جلاله : أيها المرسل المعظم ، والحبيب المفخم ، (تِلْكَ) الآيات التي تتلوها على الناس هى (آياتُ الْكِتابِ) المنزل من حضرة قدسنا. (وَ) الكتاب أي : القرآن (الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) هو (الْحَقُ) الذي لا ريب فيه ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) ؛ لإخلالهم بالنظر والتأمل فيه.
الإشارة : لو صفت القلوب من الأكدار ، وملئت بالمعارف والأنوار ؛ لفهمت أسرار الكتاب ، وجواهر معانيه ، ولأدركت معرفة الحق من كلامه ؛ لأن الكلام صفة المتكلم ، ولكن أكثر الناس اشتغلوا بمتابعة الهوى ، فصرفوا عن فهم الكلام ، وفاتهم معرفة المتكلم ، ولذلك لم يكتف الحق تعالى بآيات الكتاب حتى ذكر دلائل توحيده وكمال قدرته ، فقال :
(اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢))