بالمعروف. ه. قلت : وعارفين متمكنين ، علماء بالله ربانيين. ثم قال : وغير ذلك من أنواع أهل الحسنى ، ولا يلزم اجتماعهم ، بل يكونون متفرقين فى أقطار. ه. قلت : وفيه نظر ؛ لأن مراد الآية الأمة كلها ، كما قال القشيري ، ومراد الحديث بعضها ، فلا يليق أن يكون تفسيرا لها ، وهى أعم منه. وقيل : المراد بالأرض : أرض الشام ، وقيل : أرض الجنة.
ثم قال تعالى : (إِنَّ فِي هذا) أي : ما ذكر فى السورة الكريمة من الأخبار والمواعظ البالغة ، والوعد والوعيد ، والبراهين القاطعة الدالة على التوحيد وصحة النبوة ، (لَبَلاغاً) أي : كفاية ، أو سبب بلوغ إلى البغية ، من رضوان الله تعالى ، ومحبته ، وجزيل ثوابه ، فمن تبع القرآن وعمل به ، وصل إلى ما يرجو من الثواب العظيم ، فالقرآن زاد الجنة كبلاغ المسافر ، فهو بلاغ وزاد (لِقَوْمٍ عابِدِينَ) أي : لقوم همتهم العبادة دون العادة. وبالله التوفيق.
الإشارة : قد أورث الله أرضه وبلاده لأهل التوجه إلى الله ، والإقبال عليه. فوراثة كل أحد على قدر توجهه وإقباله على مولاه. والمراد بالوراثة : التصرف بالهمة ونفوذ الكلمة فى صلاح الدين وهداية المخلوقين ، وهم على قسمين : قسم يتصرف فى ظواهر الخلق بإصلاح ظواهرهم ، وهم العلماء الأتقياء ، فهم يبلغون الشرائع والأحكام ، لإصلاح نظام الإسلام ، وقد تقدم تفصيلهم فى سورة التوبة عند قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ...) (١) إلخ ، وقسم يتصرفون فى بواطنهم ؛ وهم أهل التصرف العارفون بالله ، على اختلاف مراتبهم ؛ من غوث وأقطاب وأوتاد ، وأبدال ، ونجباء ، ونقباء ، وصالحين ، وشيوخ مربين ، فهم يعالجون بواطن الناس بالتربية بالهمة والحال والمقال ، حتى يتطهر من يصحبهم من الرذائل ، ويتحلي بأنواع الفضائل ، فيتأهل لحضرة القدس ومحل الأنس. وهؤلاء حازوا الوراثة النبوية كلها ، كما قال ابن البنا فى مباحثه :
تبعه العالم فى الأقوال |
|
والعابد الزاهد فى الأفعال |
وبهما الصوفي فى السباق |
|
لكنه قد زاد بالأخلاق. |
ثم ختم ذكر الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ بذكر سيد الوجود ، وعين الرحمة ، ومنبع الكرم والجود ، وهو نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقال :
(وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧) قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ
__________________
(١) الآية ١٢٢ من سورة التوبة.