ما تُوعَدُونَ (١٠٩) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (١١٠) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (١١١) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١١٢))
قلت : (رَحْمَةً) : مفعول لأجله ، أو حال.
يقول الحق جل جلاله : (وَما أَرْسَلْناكَ) يا محمد (إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) أي : ما أرسلناك بما ذكر من الشرائع والأحكام ، وغير ذلك ؛ مما هو مناط سعادة الدارين ، لعلة من العلل ، إلا لرحمتنا الواسعة للعالمين قاطبة. أو ما أرسلناك فى حال من الأحوال ، إلا حال كونك رحمة لهم ، فإن ما بعثت به سبب لسعادة الدارين ، ومنشأ لانتظام مصالحهم فى النشأتين ، ومن لم يضرب له فى هذه المغانم بسهم فإنما أوتى من قبل نفسه ، حيث فرط فى اتباعه ، وقيل : إنه رحمة حتى فى حق الكفار فى الدنيا ؛ بتأخير عذاب الاستئصال ، والأمن من المسخ والخسف والغرق ، حسبما نطق به قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) (١).
(قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) أي : ما يوحى إلىّ إلا أنه لا إله لكم إلا إله واحد ؛ لأنه المقصود الأصلى من البعثة ، وأما ما عداه فإنما هو من الأحكام المتفرعة عليه ، لا يصح بدونه. و «إنما» الأولى : لقصر الحكم على الشيء ، كقولك : إنما يقوم زيد ، والثانية : لقصر الشيء على الحكم ، كقولك : إنما زيد قائم ، أي : إنما يوحى إلىّ وحدي أنما إلهكم واحد. (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أي : مخلصون العبادة لله وحده ، أو منقادون لما أمركم به من الإسلام؟ والاستفهام بمعنى الأمر ، أي : أسلموا. (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الإسلام ، ولم يلتفتوا إلى ما يوجبه من استماع الوحى ، (فَقُلْ آذَنْتُكُمْ) أي : أعلمتكم ما أمرت به ، أو بمحاربتى لكم ومخالفتى لدينكم ، لتكونوا (عَلى سَواءٍ) ، أو كائنين على سواء فى الإعلام به ، لم أطوه عن أحد منكم ، أو مستوين أنا وأنتم فى العلم بما أعلمتكم به من الشرائع ، لم أظهر بعضكم على شىء كتمته عن غيره. وفيه دليل بطلان مذهب الباطنية. قيل : وهذه من فصاحة القرآن وبلاغته.
(وَإِنْ أَدْرِي) أي : ما أدرى (أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) من البعث والحساب متى يكون ؛ لأن الله تعالى لم يطلعنى عليه ، ولكن أنبأنى أنه آت لا محالة ، وكل آت قريب. ولذلك قال : (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ) (٢) ، أو : لا أدرى متى يحل بكم العذاب ، أو ما توعدون من إظهار المسلمين وظهور الدين ، (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ) أي : إنه عالم بكل شىء ، يعلم ما تجهرون به ؛ من الطعن فى الإسلام وتكذيب الآيات ، وما تكتمونه فى صدوركم من الأحقاد للمسلمين ، فيجازيكم عليه نقيرا وقطميرا. (وَإِنْ أَدْرِي
__________________
(١) الآية ٣٣ من سورة الأنفال.
(٢) من الآية ٩٧ من سورة الأنبياء.