سورة الحجّ
مكية إلا ست آيات نزلت بالمدينة ، وهى : (هذانِ خَصْمانِ ...) إلى : (صِراطِ الْحَمِيدِ). وهى ثمان وسبعون آية. ومناسبتها لما قبلها : قوله : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) (١) من قيام الساعة ، وهى التي خوّف بها فى قوله :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ (٢))
قلت : زلزلة : مصدر مضاف إلى فاعله على المجاز ، أو إلى الظرف ، وهى الساعة. و (يَوْمَ) : منصوب بتذهل.
يقول الحق جل جلاله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) ، الخطاب عام لجميع المكلفين ممن وجد عند النزول ، وينخرط فى سلكهم من سيوجد إلى يوم القيامة. ولفظ «الناس» يشمل الذكور والإناث. والمأمور به مطلق التقوى ، الذي هو امتثال الأوامر واجتناب النواهي ظاهرا وباطنا ، والتعرض لعنوان الربوبية ، مع إضافتها لضمير المخاطبين ؛ لتأكيد الأمر ، وتأكيد إيجاب الامتثال به ؛ لأن الربوبية دائمة ، والعبودية واجبة بدوامها ، أي : احذروا عقوبة مالك أموركم ومربيكم.
ثم علل وجوب التقوى بذكر بعض عقوبته الهائلة عند قيام الساعة ، فقال : (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) ، فإن ملاحظة عظمها وهولها وفظاعة ما هى من مبادئه ومقدماته ، مما يوجب مزيد اعتناء بملابسة التقوى والتدرع بها. والزلزلة : التحرك الشديد والإزعاج العنيف ، بطريق التكرير ، بحيث تزيل الأشياء من مقارها ، وتخرجها عن مراكزها ، وهى الزلزلة المذكورة فى قوله تعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) الآية (٢). واختلف فى هذه الزلزلة وما ذكر بعدها ، هل هى قيام الساعة عند نفخة الصعق ، أو بعدها عند الحشر؟ فقال الحسن رضى الله عنه : إنها تكون يوم القيامة. وعن ابن عباس رضى الله عنه : زلزلة الساعة : قيامها. وعن علقمة والشعبي : أنها قبل طلوع الشمس من مغربها ، فإضافتها إلى الساعة ؛ لكونها من أشراطها. قال الكواشي : وهذه الزلزلة تكون قبل قيام الساعة
__________________
(١) من الآية ١٠٩ من سورة الأنبياء.
(٢) الآية الأولى من سورة الزلزلة.