(وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) أي : من أعلام دينه ، وأضافها إلى نفسه ؛ تعظيما لها ، وهى : جمع بدنة ، سميت به ؛ لعظم بدنها ، ويتناول الإبل والبقر والغنم. (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) أي : منافع دينية ودنيوية ، النفع فى الدنيا ، والأجر فى العقبى. (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها) بأن تقولوا عند ذبحها : بسم الله ، اللهم منك وإليك. حال كونها (صَوافَ) أي : قائمات ، قد صففن أيديهن وأرجهلن. (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) : سقطت على الأرض ، وسكنت حركتها ، من وجب الحائط وجبة : سقط ، وهى كناية عن الموت. (فَكُلُوا مِنْها) إن شئتم (وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ) : السائل ، من : قنع إليه قنوعا : إذا خضع ، (وَالْمُعْتَرَّ) ؛ الذي يعرّض ولا يسأل. وقيل : القانع : الراضي بما عنده وبما يعطى من غير سؤال ، والمعترّ : المتعرض للسؤال. (كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ) أي : كما أمرناكم بنحرها سخرناها لكم ، أي : ذللناها لكم ، مع قوتها وعظم أجرامها ؛ لتتمكنوا من نحرها ، (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي : لكى تشكروا إنعام الله عليكم.
(لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها) المتصدّق بها ، (وَلا دِماؤُها) المهراقة بالنحر ، أي : لن يصل إلى الله اللحم والدم ، (وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) ؛ فإنه هو الذي طلب منكم ، وعليه يحصل الثواب. والمراد : لن تصلوا إلى رضا الله باللحوم ولا بالدماء ، وإنما تصلون إليه بالتقوى ، أي : الإخلاص لله ، وقصد وجه الله ، بما تذبحون وتنحرون من الهدايا. فعبر عن هذا المعنى بلفظ (ينال) ؛ مبالغّة وتأكيدا ، كأنه قال : لن تصل لحومها ولا دماؤها إلى الله ، وإنما يصل إليه التقوى منكم ، وقيل : كان أهل الجاهلية يلطخون الكعبة بدماء قربانهم ، فهمّ المسلمون أن يفعلوا مثل ذلك ، فنزلت الآية.
(كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ) أي : البدن ، وهو تكرير للتذكير والتعليل ، لقوله : (لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) أي : لتعرفوا عظمة الله ، باقتداره على ما لا يقدر عليه غيره ، فتوحدوه بالكبرياء ؛ شكرا على هدايته لكم. وقيل : هو التكبير عند الذبح. (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) : المخلصين فى كل ما يأتون ويذرون فى أمور دينهم. وبالله التوفيق.
الإشارة : أعظم شعائر الله التي يجب تعظيمها أولياء الله ، الدالين على الله ، ثم الفقراء المتوجهون إلى الله ، ثم العلماء المعلمون أحكام الله ، ثم الصالحون المنتسبون إلى الله ، ثم عامة المؤمنين الذين هم من جملة عباد الله. ويجب تعظيم من نصبه الله لقيام خطة من الخطط ؛ لإصلاح العباد ؛ كالسلاطين ، ولو لم يعدلوا ، والقضاة والقواد ، والمقدمين لأمور العامة ، فتعظيم هؤلاء كله من تقوى القلوب. ويدخل فى ذلك : الأماكن المعظمة ؛ كالمساجد والزوايا ، وأما الفقير فيعظّم كل ما خلق الله حتى الكلاب ، ويتأدب مع كل مخلوق.