السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٧٠) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٧١))
يقول الحق جل جلاله : (لِكُلِّ أُمَّةٍ) من الأمم الخالية والباقية (جَعَلْنا) أي : وضعنا ، وعيّنا (مَنْسَكاً) : شريعة خاصة يتمسكون بها ، أي : عيّنا كل شريعة لأمة معينة من الأمم ، بحيث لا تتخطى أمة منهم شريعتها المعينة لها إلى شريعة أخرى ، لا استقلالا ولا اشتراكا ، فكل جيل لهم شرع مخصوص ، (هُمْ ناسِكُوهُ) : عاملون به ، فالأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى ـ عليهماالسلام ـ منسكهم التوراة ، هم عاملون به لا غيرهم. والتي كانت من مبعث عيسى عليهالسلام إلى مبعث النبي صلىاللهعليهوسلم منسكهم الإنجيل ، هم ناسكوه وعاملون به. وأما الأمة الموجودة عند مبعث النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ومن بعدهم إلى يوم القيامة ؛ فهم أمة واحدة ، منسكهم القرآن ، ليس إلا.
والفاء فى قوله : (فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها ؛ فإن تعيين كل أمة بشرع مخصوص ، يجب اتباعه ، يوجب اتباع هؤلا الموجودين لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وعدم منازعتهم له فى أمر الدين ، أي : فلا يجادلنك فى أمر الدين ، بل يجب عليهم الاستسلام والانقياد لكل أمر ونهى. أو : فلا تلتفت إلى قولهم ، ولا تمكنهم من أن ينازعوك فى الأمر ، أي : أمر الدين أو أمر الذبائح. قيل : نزلت حين قال المشركون للمسلمين : ما لكم تأكلون ما قتلتم ، ولا تأكلون ما قتله الله؟ يعنى : الميتة ، فأمر الله بالغيبة عنهم ، وعدم الالتفات إلى قولهم. (وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) أي : دم على الدعاء إلى الله ، والتمسك بدينه القويم ؛ (إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) : طريق قويم موصل إلى الحق.
(وَإِنْ جادَلُوكَ) بعد ظهور الحق ؛ مراء وتعنتا ، كما يفعله السفهاء ، بعد اجتهادك ألّا يكون بينك وبينهم تنازع وجدال ، (فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) أي : فلا تجادلهم ، وادفعهم بهذا القول ، والمعنى : إن الله عالم بأعمالكم وما تستحقون عليها من الجزاء ، فهو يجازيكم به. وهذا وعيد وإنذار ، ولكن برفق ولين ، يجيب به العاقل كلّ متعنت سفيه. قال تعالى : (اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) من أمر الدين ، وهو خطاب من الله تعالى للمؤمنين والكافرين ، تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم مما كان يلقى منهم.
(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) ، الاستفهام للتقرير ، أي : قد علمت أن الله يعلم كل ما يحدث فى السماء والأرض ، ولا يخفى عليه شىء من الأشياء ، ومن جملتها : ما تقوله الكفرة وما يعملونه ، (إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ) ؛ فى اللوح المحفوظ ، (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) أي : علمه بجميع ذلك عليه يسير ، فلا يخفى عليه