مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٢١) وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢))
قلت : «سيناء» ، من فتحها : جعل همزتها للتأنيث ، فلم يصرفه ؛ للتأنيث والوصف ، كحمراء ، أو لألف التأنيث ، لقيامه مقام علتين ، ومن كسرها : لم يصرفه ؛ للتعريف والعجمة ، وهذا البناء ليس من أبنية التأنيث ، وإنما ألفه ألف الإلحاق ، كعلباء وجرباء. ونبت وأنبت : لغتان بمعنى واحد ، وكذلك سقى وأسقى.
يقول الحق جل جلاله : (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ) ، وهى السموات السبع ، جمع طريقة ؛ لأنها طرق الملائكة وتقلباتها ، وطرق الكواكب ، فيها مسيرها ، (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) ، أراد بالخلق السموات ، كأنه قال : خلقناها وما غفلنا عن حفظها وإمساكها ، أو الناس ، أي : خلقناها فوقكم ؛ لنفتح عليكم منها الأرزاق والبركات ، وما كنا غافلين عنكم وعما يصلحكم ، أو : خلقناها فوقكم ، وما حالت بيننا وبينكم ، بل نحن أقرب إليكم من كل شىء ، فلا نغفل عن شىء من أمركم ، قلّ أو جلّ.
(وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) هو المطر ، وقيل : الأنهار النازلة من الجنة ، وهى خمسة : سيحون نهر الهند ، وجيحون نهر بلخ ، ودجلة والفرات نهرا العراق ، والنيل نهر مصر ، أنزلها الله تعالى من عين واحدة من عيون الجنة. ه. وقوله تعالى : (بِقَدَرٍ) أي : بتقدير ، يسلمون معه من المضرة ، ويصلون إلى المنفعة ، أو بمقدار ما علمنا بهم من الحاجة ، أو : بقدر سابق لا يزيد عليه ولا ينقص ، (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) أي : جعلناه ثابتا قارا فيها ، كقوله : (فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) (١) ، فماء الأرض كله من السماء ، (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ) أي : إزالته بالإفساد والتغوير ، بحيث يتعذر استنباطه ، (لَقادِرُونَ) كما كنا قادرين على إنزاله ، وفى تنكير «ذهاب» : إيماء إلى كثرة طرقه ، ومبالغة فى الإيعاد به ، ولذلك كان أبلغ من قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) (٢).
ثم ذكر نتائجه ، فقال : (فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ) أي : بذلك الماء (جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ ، لَكُمْ فِيها) أي : فى الجنات ، (فَواكِهُ كَثِيرَةٌ) تتفكهون بها سوى النخيل والأعناب ، (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) أي : من الجنات تأكلون
__________________
(١) من الآية ٢١ من سورة الزمر.
(٢) الآية ٣٠ من سورة الملك.