إلى المحبوب. قال الورتجبي : أوضح سبع طرائق لنا إلى أنوار صفاته السبعة. ه. وقال القشيري : الحق ـ سبحانه ـ لا يستتر من رؤيته مدرك ، ولا تخفى عليه من مخلوقاته خافية ، وإنما الحجب على أبصار الخلق وبصائرهم ، والعادة جارية أنه لا يخلق لنا الإدراك لما وراء الحجب ، ولذلك أدخلت الغفلة القلوب ، واستولى عليها الذهول ، سدّت بصائرها ، وغيبت فهومها ، ففوقها حجب ظاهرة وباطنة ، ففى الظاهر : السموات حجب تحول بيننا وبين المنازل العالية ، وعلى القلوب أغشية وأغطية ، كالشهوة والأمنية ، والإرادات الشاغلة والغفلة المتراكمة.
ثم ذكر أن طرائق المريدين الفترة ، وطرائق الزاهدين ترك عروق الرغبة. قال : وأما العارفون فربما تظلّهم فى بعض أحيانهم وقفة فى تضاعيف سيرهم إلى ساحات الحقائق ، فيصيرون موقوفين ريثما يتفضّل الحقّ ـ سبحانه ـ عليهم بكفاية ذلك ، فيجدون نفاذا ، ويدفع عنهم ما عاقهم من الطرائق ، وفى جميع ذلك فالحق ـ سبحانه ـ غير تارك للعبد ولا غافل عن الخلق. ه.
وقوله : (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) أي : وما كنا غافلين عن إرسال من يخرجهم من تلك الحجب القهرية ، بل بعثنا الرسل ، وفى أثرهم العارفين الربانيين ، يخرجون من تعلق بهم من تلك الطرائق ، ويوصلونهم إلى بحر الحقائق. وأنزلنا من سماء الغيوب ماء العلم اللدني ، فأسكناه فى أرض النفوس والقلوب ، بقدر ما سبق لكل قلب منيب ، وإنا على ذهاب به من القلوب والصدور لقادرون. ولذلك كان العارفون لا يزول اضطرارهم ، ولا يكون مع غير الله قرارهم ، فأنشأنا بذلك العلم فى قلوب العارفين جنات المعارف من نخيل الأذواق والوجدان ، وأعناب خمرة العيان ، لكم فيها فواكه كثيرة ، أي : تمتع كثير بلذة الشهود ، ومنها تتقوت أرواحكم وأسراركم ، وشجرة المعرفة تخرج من القلوب الصافية ، التي هى محل المناجاة ، كطور موسى ، أي : تنبت فيها ويخرج أغصانها إلى ظاهر الجوارح ، تنبت فى القلب بدهن الذوق والوجد ، وصبغ للآكلين ، أي : المريدين الآكلين من تلك الشجرة ، فتصبغ قلوبهم بالمعرفة واليقين.
وقوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) ، قال القشيري : الإشارة فيه : أنّ الكدورات الناجمة المتراكمة لا عبرة بها ولا مبالاة ، فإنّ اللّبن الخالص السائغ يخرج من أخلاف الإبل والأنعام ، من بين ما ينطوى حواياها عليها من الوحشة ، ولكنه صاف لم يؤثر فيها بحكم الجوار ، والصفا يوجد أكثره فى عين الكدورة ؛ إذ الحقيقة لا يتعلق بها حقّ ولا باطل. ومن أشرف على سرّ التوحيد تحقّق بأنّ ظهور جميع الحدثان من التقدير ، فتسقط عنه كلفة التمييز ؛ فالأسرار عند ذلك تصفو ، والوقت لصاحبه لا يجفو ، (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ) لازمة لكم ، ومتعدية منكم إلى كلّ متصل بكم. انتهى على لحن فيه ، فتأمله.
ولما دكّرهم بالنعم ، ذكر من قابلها بالكفران فهلك ، فقال :
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٢٣)