فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (٢٥) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٢٦) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠))
قلت : ذكر فى الحاشية وجوها من المناسبة ، فقال : لمّا استطرد ذكر الفلك ناسب ذكر نوح إثره ، لقوله : (اصْنَعِ الْفُلْكَ) ، وأيضا : هو أبو البشر الثاني ، فذكر كما ذكر أولا آدم ، فى ذكر خلق الإنسان ، وأيضا فى ذكر نجاة المؤمنين وفلاحهم ، فناسب صدر السورة ، وهلاك الكافر وهو ضد المؤمن ، كما صرح بذلك فى قوله فى آخرها : (إنه لا يفلح الكافرون) ، وفى النجاة فى الفلك مناسبة للنعم المقررة قبل ذكره. ه. (وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) : «إن» : مخففة ، واسمها : ضمير الشأن ، واللام فارقة.
يقول الحق جل جلاله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) : وتالله لقد أرسلنا (نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) ، وقد مرّ فى الأعراف نسبه وكيفية بعثته (١) ، (فَقالَ) لقومه حين أرسل إليهم ، متعطفا عليهم ، ومستميلا لهم إلى الحق : (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) وحده ؛ إذ العبادة مع الإشراك لا عبرة بها ، فلذلك لم يقيدها هنا ، وقيدها فى هود ، بقوله : (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) (٢) (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) أي : مالكم فى الوجود إله يستحق أن يعبد غيره ، فالرفع على المحل ، والجر على اللفظ. (أَفَلا تَتَّقُونَ) ؛ أفلا تخافون عقوبة الله ، الذي هو ربكم وخالقكم ، إذا عبدتم غيره مما ليس من استحقاق العبادة فى شىء ، أو : أفلا تخافون عذابه الذي يستوجبه ما أنتم عليه ، كما يفصح عنه قوله تعالى : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (٣).
__________________
(١) راجع تفسير الآية ٥٩ وما بعدها ، من سورة الأعراف.
(٢) من الآية ٢٦ من سورة هود.
(٣) الآية ٥٩ من سورة الأعراف.