سورة الحجر
مكية. وهى تسع وتسعون آية. ومناسبتها لما قبلها : قوله تعالى : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) (١) ، مع قوله جل جلاله : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) ؛ فهى تتميم لعنوان القرآن ، وتفسير له.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (٤) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥))
قلت : رب : حرف جر ، تدل على التقليل غالبا. وفيها ثمانى لغات : التخفيف ، والتثقيل مع ضم الراء وفتحها بالتاء ، ودونها. وتدخل عليها (ما) فتكفها عن العمل ، ويجوز دخولها حينئذ على الفعل ، ويكون ماضيا ، أو منزلا منزلته فى تحقيق وقوعه ، وقد تدخل على الجملة الاسمية ؛ كقول الشاعر :
ربّما الجامل المؤبّل فيهم |
|
وعناجيج بينهنّ المهار |
وجملة : (إلا ولها) : صفة لقرية ، والأصل ألا يدخلها الواو ، كقوله : (إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) (٢) ، لكن لما شابهت صورة الحال دخلت عليها ؛ تأكيدا لوصفها بالموصوف.
يقول الحق جل جلاله : أيها الرسول المعظم ، (تِلْكَ) الآيات التي تتلوها هى (آياتُ الْكِتابِ) الذي أنزلناه إليك ، (وَ) آيات (قُرْآنٍ) عربى (مُبِينٍ) ؛ واضح البيان ، مبينا للرشد والصواب ، فمن تمسك به وآمن بما فيه كان من المسلمين الناجين ، ومن تنكب عنه وكفر به كان من الكافرين الهالكين ، وسيندم حين لا ينفع الندم ، كما قال تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) : متمسكين بما فيه حتى يكونوا من الناجين. وهذا التمني قيل : يكون عند الموت ، وقيل : فى القيامة ، وقيل : إذا خرج العصاة من النار ، وهذا أرجح ؛ لحديث فى ذلك (٣). ومعنى التقليل فيه : أنه تدهشهم أهوال يوم القيامة ، فإن حانت منهم إفاقة فى بعض الأوقات تمنوا أن لو كانوا مسلمين.
__________________
(١) من الآية ٥٢ من سورة إبراهيم.
(٢) من الآية ٢٠٨ من سورة الشعراء.
(٣) عن أبى موسى الأشعري عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا اجتمع أهل النار فى النار ، ومعهم من شاء الله من أهل القبلة ، قال الكفار لمن فى النار من أهل القبلة : ألستم مسلمين؟ قالوا : بلى ، قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم وأنتم معنا فى النار؟ قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا ـ