من نفسه ، ولقد علمنا المستأخرين عنها بسبب ضعف همته ، وإن ربك هو يحشرهم ؛ فيقرب قوما لسبقهم ، ويبعد آخرين لتأخرهم. إنه حكيم عليم.
ثم ذكر أول نشأة الثقلين ، ليدل بها على الحشر والإعادة ، فقال :
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦) وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧))
قلت : قال فى الصحاح : الحمأ المسنون : المنتن المتغير. وسنّة الوجه : صورته ، ثم قال : والمسنون : المصوّر ، وقد سننته أسنّه سنّا إذا صوّرته ، والمسنون : المملّس. وفى القاموس : الحمأ المسنون : المنتن ، ورجل مسنون الوجه : مملسه ، حسنه ، سهله. أو فى وجهه وأنفه طول. وسنن الطين : عمله فخارا. ه. وفى ابن عطية : هو من سننت السكين والحجر : إذا أحكمت تلميسه. انظر بقية كلامه. وموضع (مِنْ حَمَإٍ) : نعت لصلصال ، أي : كائن من حمأ. و (الجان) : منصوب بمحذوف يفسره ما بعده.
يقول الحق جل جلاله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) ؛ أي : أصله ، وهو آدم ، (مِنْ صَلْصالٍ) أي : طين يابس يصلصل. أي : يصوت إذا نقر فيه وهو غير مطبوخ ، فإذا طبخ فهو فخار ، (مِنْ حَمَإٍ) : من طين أسود (مَسْنُونٍ) : متغير منتن ، من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به ؛ فإنّ ما يسيل بينهما يكون منتنا ، ويسمى سنينا. أو مسنون : مصور ، أو مصبوب ليتصور ، كالجواهر المذابة تصب فى القوالب ، من السن ، وهو الصب ، كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف ، فيبس حتى إذا نقر صلصل ، ثم غير ذلك طورا بعد طور حتى سواه ونفخ فيه من روحه.
(وَالْجَانَ) وهو : إبليس الأول ، ومنه تناسلت الجن ، (خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل خلق الإنسان ، (مِنْ نارِ السَّمُومِ) : من نار الحر الشديد النافذ فى المسام ، ولا يمتنع خلق الحياة فى الأجرام البسيطة ، كما لم يمتنع خلقها فى الجواهر المجردة ، فضلا عن الأجساد المؤلفة ، التي الغالب فيها الجزء الناري ، فإنها أقبل منها لها من التي الغالب فيها الجزء الأرضى. وقوله : (مِنْ نارِ) : لاعتبار الغالب ، كقوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) (١). ومساق الآية كما هو للدلالة على قدرة الله تعالى ، وبيان بدء خلق الثقلين ، فهو للتنبيه على المقدمة الثانية التي يتوقف عليها إمكان الحشر ، وهو قبول المواد للجمع والإحياء. قاله البيضاوي.
__________________
(١) من الآية ١١ من سورة فاطر.